الصفحات

السبت، 7 يونيو 2014

غباء من الآخرين !


إيمان القدوسي 

تلقى الجمل المعبرة عن إساءة الآخرين وظلمهم إعجابًا كبيرًا على فيس بوك وتعليقات تؤكد أن الآخرين هؤلاء دائمًا مخطئين، أما نحن فإننا مثال للطيبة والتسامح تتجسد فينا الفضائل كلها حتي نكاد نسمو ونرتفع لنطير بأجنحة شفافة لولا جسدنا الطيني الثقيل .
السؤال الذي يؤرقني إذا كان الكل يعتبر نفسه في قائمة الطيبين فياتري أين يختبئ الآخرين الأشرار ؟ 

في الحقيقة هذا من ضمن حيل دفاعية كثيرة يمارسها الإنسان حين ينظر في مرآته الخاصة فيري ذاته كاملة مبرأة من كل عيب ويشعر بألم وأسي نفسي كبير كلما رماه أحد بسهم من سهام الظلم ولا يفطن هو لجعبته التي كادت تفرغ من سهامها من كثرة تصويبها للناس .

وهكذا يعتقد أن ما يفعله دائمًا له مبرر قوي أما الآخرين فيالهم من أشرار ، يتهور سائق السيارة حتي يكاد يصدم المارة العزل ثم يصب عليهم شتائمه ولعناته ويتهمهم بالغباء والغفلة ، وتقصر الزوجة في حقوق زوجها وتلجأ دائما لسلاح النكد والمطالبات ثم تشكوه في كل مكان ويترسخ لديها اعتقاد جازم أنها امرأة سيئة الحظ لم تنل ما كانت تستحقه ، حتي أولادنا دائما يرون انه كان يليق بهم بيتًا أفضل وسيارة أفخم ومن يدري ربما يتمنون أبًا وأما أفضل وأكثر ثراءًا .

إنها ثقافة الاستحقاق التي استقرت في يقين شعب عاني من الاستبداد والنمطية وقتل التفكير الإبداعي حتي صار كل شخص يري أنه مستحقًا لكل الخير دون أن يتكلف في سبيله إلا أقل جهد وأيسر طريق . 

يا عزيزي كلنا أشرار أحيانا وأخيار أحيانًا أخرى وكلنا مقصرون، وفي الحقيقة فإن من يشكو من الآخرين ويتهمهم بالتقصير في حق جنابه هو أكثر من أخشي معاملته فقد يضيفني قريبًا لقائمة الأشرار المغضوب عليهم ، أما الهين اللين الذي يقدر ويتسامح فهو ذو النفس الزكية حقا . يقول تعالى في سورة ص ( وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ 24)
 المخالطة في حد ذاتها تؤدي لبعض البغي والتجاوز والحل هو التسامح من ناحية والاعتراف بالخطأ من ناحية أخرى ، أما التفكير المبدع الإيجابي فهو أساس تحسين العلاقات بين الناس ، لدينا دائما زوجة صالحة في حد ذاتها وزوجًا محترمًا ولكن التواصل الخاطئ النمطي بينهما يؤدي إلي المشاكل وسوء العلاقة لأن كل منهما يتصرف متوقعًا رد فعل معين فإذا لم يجده لجأ للشكوي والتباعد وتكبر المشكلة .

إن من يتصدى للتحكيم بين أب وابنه ، زوجة وزوجها ، أخًا و أخته ، جارًا وجاره الآخر ، فيما ينشأ بينهما من مشكلات يجد أن كلا الطرفين لديه بعض الحق وشيئًا من وجاهة الرأي ولكن سوء الظن والبغي وفقدان مهارات التواصل الاجتماعي أدت لتعقد المشكلة وزيادة التنازع حتي صار كل طرف يري نفسه مظلوما بريئا والآخر معتد أثيم. 


من الممكن أن تبدأ فورًا في تحسين علاقاتك بحسن الظن والتماس العذر وخيرهما الذي يبدأ بالسلام والصفح الجميل وهو صفح بغير معاتبة ، أما أهم خطوة و أصعبها فهي إدارة العلاقة بشكل مختلف ومناسب للطرف الآخر بعد أن عرفت عيوبه ومميزاته الشخصية ، لاثوابت ولا جوامد في العلاقات الناجحة ليس مهما من يبدأ ومن يتحمل أكثر ومن يبذل ولكن المهم نجاح العلاقة الذي يضيف الكثير للطرفين ويجمل الحياة ويجعلها سعيدة . 


من يشعر بالتعاسة فإن ذلك ليس دائما بسبب غباء الآخرين وعيوبهم ولكنه كثيرا ما يكون لأنك لم تعطهم فرصة ، لم تمد لهم يدًا ، لم تحبهم بما فيه الكفاية ، لم تعطهم نوعية الاهتمام التي تناسبهم ، إذا كان ما يحتاجه كل منا موجودا عند الآخر فلماذا لا يمد يده إليه ويتبادلا المودة والمنفعة بدلًا من التوجس والتربص ورصد العيوب و إحصاءها ؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق