بقلم : إيمان القدوسي
التردد والشك والحزن والإحساس بأنك لا تحيا حياة حقيقية كنت تتمناها كلها أعراض لمرض العصر الحديث ( إدمان البدايات )
مثل من يسير علي شاطئ الحياة وكلما دخل بقدميه في مياهه الدافئة وشعر ببداية شعور جميل (بداية حب ـ بداية عمل ـ بداية بحث وعلم ـ بداية تجربة حياة ) تبدأ العذوبة وسحر البداية تأخذه عميقا داخل بحر الحياة ولكنه سرعان ما يفاجأ بأمواج الصعوبات الهائجة وضربات الألم والمكابدة فيتراجع سريعا إلي أمان الشاطئ ويترك بدايته المبشرة ويكتفي ببلل قدميه ويقف علي الرمال مكتوف الأيدي يتأمل أولئك الشجعان الذين لم يهابوا الموج وتجاوزوا كل الصعوبات وهاهم بعيدا يستمتعون بالسباحة العميقة في بحر الحياة .
وهكذا تجد من دخل تجارب حب عديدة وفي كل مرة يكتفي بذلك الشعور العذب الساحر في أوله وعندما يبدأ مواجهة الاختلافات والخلافات وتحمل مسئوليات الحياة يتراجع مكتفيا بهوامش الحب وبقاياه .
تجد من يكتفي في دراسته بحفظ الملخصات وقصاصات الغش لكي يحصل علي شهادة شكلية تقول أنه تعلم ولم يشأ أن يتكبد عناء الدرس والبحث والجهد في سبيل الحصول علي علم حقيقي يجعله يدخل أعمق و أجمل مناطق بحر الحياة ، تلك المنطقة التي تفتح أمام عقله آفاقًا بغير حدود وترفعه إلي مصاف أرقي فئات البشر ( العلماء ) يكتفي بشهادته المزوره ولا يحصل من العلم إلا علي نفاياته .
حتي التدين ذلك السلوك الراقي جدًا تجد من يكتفي منه ببعض المظاهر والعبادات ولا يتكبد عناء مجاهدة النفس وتصفيتها وتخليتها من القسوة والنزق ثم تحليتها بالفضائل والقيم ، إذ سرعان ما يتراجع متجمدًا عند نقطة محدودة كانت بدايته التي لم يطورها أو يعمقها فصارت عبئًا عليه وهو عبء عليها فهاهو يجر قدميه بمحاذاة الشاطئ فلا هو سباح حقيقي في بحر المجاهدة ولا هو يمشي بعيدًا عن الشاطئ ويحزن عندما يتهمه الناس أنهم لا يعترفون به .
أما الزواج تلك التجربة الحياتية العميقة جدًا فهو خير نموذج علي ذلك المرض ، ما إن يتم حتي تبدأ الزوجة في إعادة فرز وتقييم الزوج وكذلك يفعل هو متشبثين بمرحلة البداية مع أنهم من المفروض أن يكثفوا جهدهم في تجاوزها والانطلاق بعيدا في اتجاه تقبل الآخر ثم التكيف معه ثم تشذيب وسنفرة الحواف الخشنة والجارحة لكليهما ليتم دمجهما معا ثم التعاون علي المزيد من تطوير العلاقة ، لكن الغريب جدا أن استمع كثيرا لمن تزوجت منذ ربع قرن وصار أولادها وبناتها رجالا ونساءا ومازالت تتشبث بمرحلة البداية الأولي للزواج فهي تفرز وتبحث عن العيوب وتعيد التقييم وتطالب بالرومانسية وحب الأفلام وكأن الزمن لم يمر والحياة توقفت بها عند نقطة البداية .
يقولون إن الزمن يمضي ولكن الحقيقة أن الزمن باق ونحن ماضون ، والحياة أقصر من أن نضيعها في التسكع علي الشاطئ وبناء قصور من رمال أوهامه ، انزل البحر وتحمل مكابدة أمواجه ولا تخشي الغرق والتعب فسوف تصل للعمق ووقتها ستشعر بجمال وروعة الحياة الحقيقية ، اعمل بجد وكافح في سبيل زواج ناجح وتبني قيما حقيقية والتزم بها واخلص لنفسك في أن تنال حظها في حياة نافعة ومشاعر عميقة وسباحة في عمق بحر الحياة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق