4- المرأة مصيبة: مرحلة التجهيز

بقلم : أحلام مصطفى

لمرحلة التجهيز عندنا خصوصية لأن التجهيز هنا غالباً ما يعني: "هات فولسك وفلوسها وفلوس أهلك أهلها واشتروا كل الحاجات اللي مش حتحتاجوها غير مرة في السنة واملوا بيها البيت، وبعدين لما تقدم ارموها وهاتوا غيرها". باختصار هذه الجملة تعبر عن المرحلة، مرحلة التجهيز المادي للزواج، تحدثت في الأسبوع الماضي عن انحصار مفهوم التجهيز ففي فترة الخطبة على الأمور المادية، وسأتحدث هذا الأسبوع عن تفاصيل التجهيزات المادية.

المشكلة في الجهاز كما يسمى أنه يخضع لمجموعة قواعد لا يُعرف أصلها من فصلها ولا من أين أتت، "يعني مين معدوم الضمير اللي فكّر في التفاصيل دي ما تفهمش!"، وعلى الرغم من ذلك هناك توافق عام بين أفراد المجتمع على قدسية تلك القوانين وضرورة عدم المساس بها وإلا انصبت علينا اللعنات من آلهة "القيل والقال" و"أبلة ظاظة" التي تًعرف بآلهة الشماتة.

سمعت كثيراً من الفتيات يتحدثن عن تجهيزهن للزواج وكأنهن يجهزن لعائلة من 20 فرداً، وكيف أنها يجب أن تشتري كل ما تقدر عليه لآن لأنها ربما لا تمتلك القدرة على ذلك لاحقاً – وتيجي بعد ما تتجوز تكمل شرا من كل حاجة عشان الناس تتأكد إن زوجها مش بخيل وإنها عايشة عيشة زي الفل -  وتنتحي منحى الناس قبل ليلة العيد. 

صورة نادرة لمطبخ عروسة مصرية حديثة الزواج 

فتجد أولويات ملء الدواليب والخزائن ابتداءً من المطبخ إلى غرفة النوم بكل السلع ومن كل الأنواع: "حلل إزاز وستيل وتيفال وألمنيوم ولو في أنواع أخرى ممكن تجيبها للزينة، أطباق من كل نوع ولون، عدد 18985 كوباية، و 3985 معلقة وشوكة وسكينة، عدد 20 صينية، و33 طاسة، و55 طبق تقديم، غير طبعاً الصيني وكبايات الضيوف وغيره. عدد 23232 ملاية، و45 مفرش، و47547 بجامة وطقم بيت 34332 طقم خروج و3434 شبشب وجزمة ولحقاتهم. عدد 5000 فوطة بالأحجام المتنوعة، و34202 فوطة احتياط".

صورة نادرة لدولاب لعروسة حديثة الزواج ... كل الصور  لقطات مختلفة لنفس الدولاب 

والرجال على الطرف الآخر إن لم يكونوا مهتمين بالأمر تجد من ورائه أماً توز وتزن حتى يطلب كل ما يمكن طلبه ويجهز بيته على آخر طرز " زي الواد عصمت ابن أم عصمت وابن عمته وداد وإن خاله زياد وابن الراجل اللي ساكن على باب الحارة". وكأن البيت أرض معركة يحاول كل طرف الحصول من خلالها على أكبر ما يمكن تحقيقه من أرباح تنتقل فيما بعد إلى ما يسمى "القايمة" لاقتسامها في حال النزاع والوصول إلى باب مسدود بعد جولات المفاوضات!

للأسف الموضوع ليس بالفكاهة التي أتحدث بها، أعرف الكثير من الفتيات أنهين علاقات مع رجال جيدين فقط لعدم قدرتهم المادية على توفير كل شروطهن التي غالباً ما تكون تفاهة ليست من أساسيات الحياة ولكن ما جعلها مصيرية هو نظرة الفتاة السطحية للأمور والمقارنة بينه وبين غيرها من قريناتها دون وضع أي اعتبار لخصوصية علاقتها أو التفكير فيما هو مهم فعلاً. وهناك الكثير من الشباب ممن وقعوا ضحية تحريض الأبوين على فسخ الطبة لنفس الأسباب. وكأن العائلات تقوم على الستائر والسجاد وقطع الخشب التي يملؤون بها البيوت.

والله إن بيوتاً قامت على فرشة سرير لا غير وأكرمهم الله وبارك لهم حتى أتموا بيتهم على خير وجه بما يرضي الله دون إسراف ولا تبذير، وهناك من البيوت التي أثثت بأفضل ما يكون من سلع ولم تلبث أن انهارت فوق رؤوس ساكنيها فلم توفر لهم السكينة ولا الرحاة وانتهى الزواج في أشهر معدودة.

للأسف نحن نلقي بالاً لكلمات الناس ونظرتهم التي لن تقدم ولا تؤخر في حياتنا بأي صورة، ونترك لهم حرية الترصف في حياتنا وسلوكنا واختياراتنا ثم إذا أصابنا مكروه لم نجد منهم سوى الشماتة. فلماذا ترك لتوقعات اجتماعية ونظم بالية أن تحدد ما علينا أن نفعله أو نتركه؟، "اللي عايز مصحلتك مش حيديك نصيحة تسببلك أذى أو تعقدلك مشكلة!". كل تلك الماديات التي نضعها في مركز اهتمامنا ليست ما ستقوم عليه حياتنا، هناك أساسيات ربما لابد منها ولكن حتى الأساسيات إن وجد التفاني والالتزام المطلوبان لا يسبب فقدانهما انهيار الحياة ونهايتها.

لا تطلبوا مظهراً جميلاً وبيتاً يرضي عيون المتطلعين إليكم، اطلبوا راحة البال ورضى الله في كل ما تقدمان عليه، حتى وإن توفرت النقود فلتنفق على المهم الذي ستستفيدون منه ويضيف إلى حياتكم قيمة، كمكتبة مثلاً في مقابل النيش التعيس. فكل تلك المراجعات ستعينكم على إعاة توجيه حياتكم وفق ما يناسبكم ويناسب أبناءً سيكبرون في بيت لا يحدد مساراته واختيارته وفق آراء الناس بل وفق ما هو مناسب لأهله. أومن بأن الله تعالى ينظر إلى قلوبكم فابدؤوا الحياة بما فيه سعي لرضى الله أكثر من أي شيء آخر، ومافيه بعد عن مراقبة الناس ولسعي لإرضائهم بغض النظر عن القيمة التي تضيفها مثل تلك الاختيارات.