الصفحات

الخميس، 25 سبتمبر 2014

حقوق المرأة..عقوق المرأة

بقلم : أحلام مصطفى



بصفتي أنتمي إلى المجموع البشري فلعله من أحد "حقوقي" أن أتطرق للحديث عن هذا الموضوع، وبصفتي أنتمي إلى المجموع النسوي فإنه من أحقّ حقوقي!، على الرغم من أنه من السّهل جداً بل من المتوقع أن ينعتني المنتمون والمنتميات إلى "الحركة النسوية" بأنني من المتأثرين بالفكر الأبوي (patriarchy)* ، وأنني قد تعرضت مسبقاً لعلمية تشكيل في المجتمع دفعتني إلى أن أقول ما أقول، على اعتبار أن موقفي ناتج عن الظروف الاجتماعية والثقافية التي وُلدت ونشأت فيها، بمعنى أننا حتى نتمكن من الحكم على الأمور بصورة صحيحة وجب أن نولد وننشأ في المجتمع الغربي الذي استجلبنا منه تلك الفرضيات، دون أن نضع في الحسبان أن تلك المواقف والأحكام التي نشأت في تلك المجتمعات كانت بدورها نتيجة للظروف الاجتماعية والثقافية هناك.



إن إلحاق كلمة حقوق بأي "شريحة" في المجتمع هو بداية فصل هذه الشريحة وتأطيرها، بصورة تجعلها تصبح في حالة مواجهة مع شريحة أو شرائح أخرى في المجتمع، فالطفل في مواجهة والِدَيْه،و الطالب في مواجهة المعلم، والمعلم في مواجهة المؤسسة التعليمية، و العامل في مواجهة الجهة المسؤولة ، إلى آخر ذلك. وبمجرد أن تتشكّل هذه الثنائيات القطبية في المجتمع حتى يتحول إلى خليط من الصراعات والنزاعات التي تجعل كلَّ طَرَف يرى في الآخر المقابل له سلطة تقيده أو تستغله أو تنظر إليه بدونية، في حين أن طبيعة العلاقة كلها محكومة بـ "الاختلاف".




إذاً فإن هناك مشكلة كامنة في المنطق الذي به تمّ استحداث هذا النوع من الحركات، فبدلاً من التعامل مع المجتمع ككيان واحد وجعل البحث عن أي قيمة فيه خدمة للمجموع الكلّي العام، والبحث عن وسائل حتى تشمل تطبيقاتها كل شرائح المجتمع على اختلاف حاجاتهم وقدراتهم، تصبح القضية قضية تكييف لهذه القيمة بيد كل شريحة حتى تحصل على ما تريده من الشرائح الأخرى وكأنها كيان مستقل داخل المجتمع، ويتحول الكيان الكلّي إلى كيانات داخلية مستقلّة بدلاً من حالة تكامل إيجابية.

عند تطبيق الأمر على قضية "حقوق المرأة" فإن القيمة التي كان يجب البحث عنها هي العدل وليست المساواة كما هو حاصل، العدل بين أفراد المجتمع ككل وليس بتخصيص المرأة، فيتم البحث عن مَواطن الخلل في المنظومة المجتمعية التي تؤدي إلى عدم تحقق هذه القيمة سواءً أكان المَعنيّ المرأة أم الطفل أم العامل أم الرجل..وغير هذه التصنيفات من أصحاب الحقوق، وهنا فقط تتحقق المساواة، لا بمعناها الحرفي، ولكن بالمعنى التنفيذي. فالمساواة التي يُنادى بها بالمعنى الحرفي تعني أن لا يتم التعامل مع المرأة والرجل بأي نوع من التمييز أو أخذ أي اعتبارات بيولوجية أو سيكولوجية عند تنظيم الأدوار في المجتمع، بينما المساواة بالمعنى التنفيذي هي تلك التي تحقق العدل في تنظيم الأدوار تبعاً للقدرات والحاجات وتميّز بين الطرفين كما يجب – والتمييز هنا يعني مراعاة الاختلافات لا التحيّز - .

إنّ التفسير "الحقوقي" السّطحي لهذه القضية في مجتمعاتنا العربي أدى إلى تعزيز مثل هذا النوع من المواجهة بين المرأة من جهة والمجتمع "المُنحاز" للرجل من جهة أخرى، ذلك أنه تم اختلاق المشاكل في العالم العربي فقط لأنها تتماشى مع النموذج الغربي، لنضرب مثالاً على ذلك:
يُشار كثيراً إلى الماضي القريب الذي كانت فيه المرأة تتجوز في سن مبكرة وتنجب الأولاد وتحلب الماشية و تساعد زوجها في "الغيط" كما في المناطق الريفية على أنه عصر اضطهاد وظلم وقع في حقها، أو تلك التي كانت تعيش في البادية ويُعفيها وضعها الاجتماعي من العمل أو المشاركة في توفير الدخل على أنها امرأة مهمّشة ليس لها يد أو مشاركة في المجتمع، بمعنى أن عمل المرأة حينها كان اضطهاداً واستغلالاً ولكن عملها الآن حق، وملازمتها البيت سابقاً كان تهميشاً وهو الآن اختيار.
الحقيقة أن المرأة في الماضي القريب لم تكن تعاني في مسألة الحقوق، العلاقات الأسرية وطبيعة العلاقة بين الرجل وزوجته هي أمور أخلاقية تعود بالدرجة الأولى إلى التربية وليس إلى حقوق المرأة تحديداً، المشكلة ظهرت في الوقت الحاضر عندما ظلّت المجتمعات العربية حبيسة تلك النظم، أي عندما ظلّت تلك النظم الاجتماعية هي المسيطرة على الرغم من اختلاف الظروف التي كانت مناسبة في وقت ما. إلا أننا مع إقرارنا بوجود بعض الخلل فنحن يجب أن ننظر إلى طبيعة دور المرأة لا بصفتها كائناً مستقلاً ولكن بصفتها جزءاً من الكلّ المجتمعي، فالتغيير الذي حصل على طبيعة دور المرأة قديماً وحديثاً ليس كما يعتقد البعض نتيجة لتحرير المرأة! ما نتج عن تحرير المرأة كان بالدرجة الأولى يتعلق بحريّة الملبس أو التعرّي كلاهما ينطبق! وحرية التعبير الفنّي، وحرية تّفكير إلخ إلخ.. وكلها أمور تتعلق "بالتحرر" و"الانفتاح"، أما عمل المرأة في المجتمعات العربية وحقها في التعليم فلم يكن بنفس الشاكلة التي كان عليها في المجتمعات الغربية، لأن دخولها مجال العمل كان نتيجة طبيعية لتغير خط سير الأحداث من حولنا، وحاجة الأسرة إلى دخلين حتى تتمكن من تسيير أمورها كما يجب في عالمنا الحديث، وبما أن الشهادة هي طريق الوصول إلى ذلك العمل فلا بد منها.

كذلك الأمر بالنسبة لتفضيل الإناث على الذكور في المجتمعات التي تعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة والأعمال البدوية، لأن الفتى هو يد عاملة يمكن للأسرة أن تستغلها، بينما تشكل الفتاة فاهً أخرى لإطعامها، وهنا نجد مرّة أخرى أن المنظومة الاجتماعية أو الاقتصادية هي المؤثرة والمشكلة للوعي، لهذا فإن قضية المفاضلة بين المولود الذكر والمولود الأنثى لم تعد كما كانت أبداً لأن كلا الطرفين أصبح الآن مساهماً في عملية الإنتاج، مع وجود بعض مخلفات تلك الأفكار نظراً لكونها ظلّت تحكم الفكر الشعبي لفترة طويلة.

أمر آخر يقع فيه الكثير من أنصار هذا النوع من الحركات هو مطالبتهم بالتمييز الذي يرفضونه، فأدب المرأة، وفن المرأة، ودراسة الخصائص الأسلوبية لكتابات المرأة، كلها ستؤدي بالتالي إلى التمييز بينها وبين الرجل، كان الأحرى أن يطالب بأن يفتح المجال للمرأة حتى تكتب وتنشر، وبالتالي تصبح كتاباتها محل دراسة ونقد كأي عمل أدبي آخر، بدلاً من المطالبة بفرع خاص في الدراسات النقدية أو الثقافية لتحليل إنتاج المرأة، على اعتبار أن النقد متحيز للرجل ولأعماله، ولكن الفكرة هي في كون النتاج الأدبي في غالبيته هو نتاج ذكوري، وبالتالي القضية في أصلها قضية نسبة مشاركة، نعم كان هناك نوع من النظرة الدّونية للمرأة الكاتبة، ولكن مجدداً هذا الأمر كان سائداً في المجتمعات الغربية التي دفعت بعضاً من أشهر كاتباتها إلى انتحال أسماء رجال حتى يتم أخذ أعمالهن بجدّية، ولكن هذه المشكلة لم تكن موجودة في عالمنا العربي، لهذا فليس من مسوّغ لأن تطالب المرأة هنا بمثل هذا النوع من التحيّز لأدب المرأة، فلتنتج المرأة أعمالاً أدبية كافية حتى تتم دراستها، فليس من العدل أن أضع قانوناً يلزم المجتمع بدراسة النتاج "النسوي" على قِلَّته في مقابل النتاج "الذكوري"، لقد أصبح الأمر أشبه بتخصيص مقاعد خاصة للنساء في المجالس النيابية! أي أن القضية لم تعد قضية كفاءة بقدر ما هي قضية وجود، وقِس على ذلك.

ينبغي أن لا ننسى أيضاً أن كثيراً من الزخم الذي ارتبط بتلك الحركات في المجتمعات الغربية والذي انبهر به المشرقيون كان نتيجة لاستخدام الكثير من الرموز السياسية لهذه القضية كما هي الحال مع غيرها لتحقيق نوع من الشعبية، لا سيما بعد استحقاق المرأة لصوتها الانتخابي، ومن هنا كان لا بد من استغلال هذه الكتلة البشرية. أضف إلى ذلك تعويض المرأة للنقص الحاصل في اليد العاملة عند ذهاب الرجال للحروب المتلاحقة التي شهدتها تلك المجتمعات.

من هنا يظهر لنا ذلك الفكر التسطيحي الذي ينتزع الأحداث من سياقاتها ويحاكمها بقوانين العصر، أو الذي يخطئ قراءة العلامات ويخفق في الربط بين عناصر المسألة. وهذا نابع من عمليات متتالية من التّحكيم الخاضع للتحيّز المُسبق بينما كان الأحرى بمن يسعى لإلغاء هذا التحيّز أن يتحرر منه.

---------------
* *مصطلح الأبوية أو الباترياركية يحيل إلى المجتمعات التي تغلب عليها السلطة الذكورية وهو مستقى من السلطة الكنسية التي يتفرّد بها الذكور، وقد اعتمدت الدراسات النسوية بالطبع على هذا النوع من السيطرة والسلطة لتقديم أطروحاتها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق