بقلم : أحلام مصطفى
علّم في المتبلم يصبح ناسي، هو مثل شعبي في عدد من الدول العربية يشير إلى أن تعليمك "للمتبلم" البليد أو محدود القدرات العقلية إن صح التعبير لن يأتيك بفائدة، فهو سيصبح ناسياً كل ما تعلمه بالأمس. وعلى الرغم من صحة هذا المثل في جوانب معينة إلا أن أسهل ما يمكن تكوينه عند الناس هو العادات. يقول البعض أنّك بحاجة إلى 21 يوماً حتى تكتسب عادة جديدة، ويزيدها آخرون إلى 41 يوماً، وفي الواقع أعتقد أن الأمر يعتمد بصورة أكبر على تكرار العادة ومدى أهميتها بالنسبة لك.
على مستوى الأفراد نحن نكوّن العادات طوال الوقت، بعضنا كوّن عادة أن يقرأ قبل النوم، البعض الآخر يشرب الحليب، أحدهم يجب أن يتأكد أن الغرفة خالية من أي حشرات، آخر يتأكد من إغلاق فرن الغاز، كلها عادات نكتسبها قد تبدأ مصادفة بإحساس جيد اختبرناه ونحن نؤدي هذه العادة في المرة الأولى ثم كررناه مراراً حتى انقلب إلى لازمة من اللوازم، في حالات أخرى يكون الأمر ناتجاً عن موقف مؤثر دفع إلى تكوين هذه العادة كوسيلة دفاعية.
مما يثير الاهتمام في قضية العادات أنها تكتسب قيمتها من التكرار نفسه، فمثلاً قد يقوم زوج باستحداث عادة أن يقرأ لزوجته كل ليلة، ثم تأتي إحدى الليالي ولسبب أو لآخر لا يمارس عادته، فيتسبب الأمر بمشكلة أسرية عويصة لأن السيدة تعتقد بأن زوجها لم يعد يحبها وإلا فكيف نسي هذا الطقس المقدس، مع العلم أنه هو من بدأه، ولكن لم يعد مهماً الآن كيف بدأ أو لماذا، لقد اكتسب هذا الفعل العفوي الاعتباطي قداسةً ما من التكرار وأصبح هو الطبيعة وغيابه هو الشذوذ عن القاعدة
كذلك الأمر بالنسبة لعاداتنا التي نكسبها للأبناء حتى نستطيع السيطرة
عليهم، أو التي عودناهم عليها حتى يندمجوا في المجتمع أو يرضوا تطلعاتنا، فإذا قام
الطفل باتخاذ قرار بمخالفة العادة اعتبرنا ذلك قلة احترام أو سوء أدب، أو على
العكس يصبح التزامه بالعادة سبباً يؤخره عن التأقلم مع الظروف الجديدة أو يؤدي إلى
عجز في قدرته على مواجهة الحياة في جوانب مختلفة، فقط لأننا عززنا تلك العادة لديه
لدرجة أصبح غير قادر على تجاوزها أو ربما غير راغب في تجاوزها، لأنها ببساطة توفر
له ما يريده من راحة.
على سبيل المثال تجد الأم قد عوّدت أبناءها على إعداد الفطور لهم حتى
عندما كبروا وأصبحوا في سن يمكنهم فيه الاعتماد على أنفسهم والاستيقاظ لوحدهم
وإعداد فطور لوحدهم، ولكنها لا تستطيع أن تتخلى هي نفسها عن هذه العادة التي
تجعلها تحس بأنهم في حاجة إليها، وتمنحها إحساساً بالرضى عن الذات ربما. فتجد
الولد أو البنت في المرحلة الجامعية أو ربما أنهياها ودخلا مرحلة الوظيفة أو غيرها
من مراحل الحياة ولازالت الأم تستيقظ لتحضر الشطائر وتضعها في قيس أو علبة حتى
يأخذها الطفل ذو ال28 عاماً وهو يغادر بما أن أمه أيقظته متأخراً بعد عناء لأنه
يرفض أن يستيقظ بمفرده...!
وربما تجد شقيق هذا الطفل الكبير أو شقيقته يرفض فكرة أن تعتبره أمه
طفلاً حتى ذلك السن فيستيقظ بمفرده ويتناول فطوره ويجهز ملابسه ويستغني عن خدمتها
له وربما طلب منها أن تتوقف عن ذلك، فتجد الأم تنظر إلى ذلك السلوك على أنه
"قلة أدب" وكيف يستغني عنها هكذا، "وإيه يعني كبر! حيفضل طول عمره
صغير في نظري!" ومثل تلك المفاهيم.. وكأن الولد يجب أن يظل محتاجاً لها طوال
حياته كقطة تطعمه وتنظفه.. بدلاً من أن تسعد بوضول ابنها لمرحلة من الاستقلالية هي
بداية الطريق! في الواقع كان ينبغي أن يصل إليها منذ سنوات طوال!
إن العادات التي نشكلها لأنفسنا ولأبنائنا مع مرور الوقت تتحول شيئاً
فشيئاً إلى نوع من القيد النفسي الذي ربما يمنعنا من التقدم أو يمنع أبناءنا من
التغيير. لذلك أؤمن بأنه علينا أن نقيم أي عادة قبل وضعها حيز التنفيذ وأثرها على
المدى الطويل وقدرتنا على التغلي عليها فيما بعد إذا احتاج الأمر ذلك.. لأن نفس
الإنسان ليست سائلة يمكن صبها في أي إناء بل هي كقطعة الصلصال التي إذا تركت هكذا
دور حركة لفترة طويلة ستثبت على شكل واحد..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق