الصفحات

الخميس، 9 أكتوبر 2014

فلسفة الطبيخ


بقلم : أحلام مصطفى 



ربما يكون الحديث عن الطبيخ كموضوع مم في الحياة الزوجية والحياة بشكل عام أمراً تافهاً أو غير ذي أهمية، على اعتبار أن كلمة "طبيخ" تستخدم غالباً للتعبير عن "أي حاجة فيها تخبيص"، كانت أمي تنادي أحدنا "طبيخ" إذا قام بأمر يتسم بعدم الاتزان أو يخلو من المنطق. لذلك أفهم أن فلسفة الطبيخ هو مصطلح يناقض نفسه دون الحاجة للخوض في ذلك.

لكن على سبيل التجربة لنتحدث عن قضية الطبيخ في المنزل التقليدي، حيث تجد المرأة تخوض الكثير من المعارك حتى تصل إلى طبيخة جديدة أو تقرر ما الذي تعده لزوجها وأبنائها، "تاكلوا إيه بكرة؟؟" وبعد أن يجيبها الجميع كل بما يريد تجدها قد أعدت طبقاً آخر لا علاقة له بما تم اقتراحه لاأمس لأنها اكتشفت أن كيلو الفاصوليا على وشك الفساد فكان يجب أن تعده أو أنه ليس لديها ما يكفي لإعداد طبق المكرونة أو صينية البيتزا.

"وبعدين بعد التعب ده كله تلاقي نص البيت مش عايز ياكل فاصوليا والنص التاني بياكل غصب عنه الطبيخ اللي قعدتلها فيه ساعتين غير الوقت اللي خده منها التفكير!"، ويتراكم لديها الإحساس بعدم التقدير وتجدها تقول: "ابقوا إنتو اعملوا الأكل بكرة".. الأمر الذي نادراً ما يحدث. في الحقيقة لو أن الطعام قد اتخذ حيزه الذي يستحقه في البيت لما كان للطبيخ فلسفة ولا وصل الأمر لكل هذا التعقيد. نعم إن الطعام هو من نعم الله التي سخرها لعباده ومن الأمور التي ربما تحقق للناس شيئاً من الرضى ولكنها أولاً وآخيراً مادة كغيرها من المواد وسيلة وليست غاية، نختار منها ما نعيش به ويقدرنا على القيام بأمورنا اليومية وواجباتنا ونترك ما يسيء إلينا وإلى صحتنا. 

لو كان هذا التفكير هو السائد في البيت "كل اللي قدامك وإنت ساكت واحمد ربنا"، ربما ليس بنفس الصياغة ولكن المحتوى واضح، لما وجدت كل برامج الطبيخ ومحطات الطعام وكتب السفرة وغيرها من "موضة" الأكل التي انتشرت الآن في العالم الغربي، هل تعلمون أنهم في الغرب يصنفون الطعام حسب طريقة الإعداد والتقديم إلى "موديرن و ريترو" ؟؟ ستقولون بأن هذا هراء، ولكن إن نظرتم إلى الطريقة التي نفكر بها نحن الآن فسوف تجدون أننا نسير في ذلك الاتجاه نحو المزيد من الهراء.. فالجيل الجديد لا يأكل الطعام "القديم" "عشان محدش بياكل الحاجات دي دلوقتي" و "أنا بحب الإيتاليان أكتر" وإلخ.. لا أتحدث عن أذواق الطعام التي هي أمر طبيعي، ولا عن التعرف على ثقافات الناس الأخرى حيث الطعام جزء منها، ولكن عن اختيارات الطعام المبنية على أسباب لا علاقة لها سوى بالنظرة المادية أو التقسيم المجتمعي الرديء.

فلنفكر كم من أولادنا لا يأكلون ما يفيدهم ويتناولون أغلب الوقت الطعام المصنع أو الذي لا يقدم لهم قدراً كافياً من التغذية المطلوبة، لأننا لم نعلمهم أن يأكلوا بصورة صحيحة والأهم لم نتصرف كآباء ولكن "كمرفهّين" عن هؤلاء الأطفال، "سيبيه ياكل اللي هو عايزه بكرة يكبر ويبطل" ولكن للأسف بيكبر وما بيبطش إلى لو حصلت مشكلة". لمن لا يعرف فإن قدرتنا على تذوق الطعام تتغير بتغير ما نأكله، "يعني اللي متعود ياكل مسلوق ما بيتقبلش المتحمر، واللي متعود ياكل الأكل ملح قليل الملح الوسط بالنسبة له كتير، والطفل اللي مش متعود ياكل خضار مش حاكلها لما يكبر عشان مش حيستطعمها..حتى لو في الأول رفضها حطها قدامه وسيبه وفي الآخر الجعان حياكل ما تقلقش!".

كما ترون فإن الطبيخ أصبحت له فلسفة، ربما ليست بتعقيد فلسفة الوجود ولكنها بصورة ما جزء منها، نحن كثيراً ما نستسهل ونستخف بالأمور الصغيرة من حولنا، ولكننا إذا نظرنا مطولاً ربما وجدنا أنها على لمدى الطويل هي التي تحدث الفرق شيئاً فشيئاً، والأهم من كل شيء أننا نكون قد أدينا أماناتنا على الوجه الأقرب للحق بدلاً من "التلويش أو في لغة أخرى التلطيش".. لذلك فلنتفكر قليلاً في فلسفة الطبيخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق