بقلم: أحلام مصطفى
تتكرر هذه العبارة في بعض التقاليد والعادات في البلدان العربية مع سبوع الطفل الرضيع، وكأن مهمة هذا الطفل في الحياة تقتصر على هاتين العبارتين، ويتوسع المفهوم ليصبح سماع الكلام بدون نقاش ((ولا اعتراض هو البرّ في حد ذاته))، حتى بعد أن يكبر هذا الابن وتلك الابنة ويصبحا في الثاثينات والأربعينات من العمر، تجد من الأمهات من تتباهى بأن ابنها "مابينزلش كلمتها الأرض"، حتى إن كان محتوى كلمتها لا يرضي الله بل وربما يستجلب عليها غضبه وعقابه. ولا أفهم بصراحة سبب هذه المليودرامية الغريبة في التعبير عن رفض اتباع الأمر الصادر منها بأنه "نزل الأرض"، وكأن كلمة الأم المقدسة تسقط من مكانها الرفيع إن تمت مناقشتها أو التشكيك فيها!
كثير منا يشغل باله هذا الأمر، أن يربي أبناء يبرونه عندما يكبر ويردون له شيئاً من الجميل، ولكننا في الحقيقة ما جعلنا لهذا آباء وأمهات، بل ما هو مطلوب منا أن نبرّ نحن بهذا الطفل ونعطيه أفضل ما نراه مناسباً له، بما في ذلك اتباعه لأوامر والديه وطلباتهما ما احتاج ذلك وطالما أنه ليس قادراً بعد على اتخاذ قرارات حاسمة حسب مرحلته العمرية، فاحترام الأب والأم وطاعتهما في تلك المرحلة ليس فقط لذاته ولكن لأنه مهم لشخصية هذا الطفل ولكي يدرك معنى أن يقدر ويحترم ويثمن الأشخاص الأكثر دراية وخبرة ويفهم أن الأمور ليست على ظواهرها، فما قد يبدو له أمراً لا خطر منه قد يرى فيه أبواه مفسدة عظيمة ل يدركها هو حينها ولكنه عندما يفطن لحكمة سلوكهما يعي صواب قراراتهما.
لذلك عندما نتعامل مع قضية البر ينبغي أن ننظر إليها كقيمة أخلاقية وليس كاستحقاق "يعني حقّي وحاخده"، ولا كشيء متوقع من الابن بالضرورة، لأن الطفل يكتسبه كما يكتسب كل عاداته. كما أن للبر وجوهاً عدة، فابنك خصوصاً عندما يكبر ويستقل ويتزوج وينجب، قد يرفض تنفيذ أمر من أوامرك لأنه يرى فيه خطاً أو ظلماً وهو لا يريد لك أن تحمل ذلك الوز حتى وإن كانت النتيجة غضبك منه. وابنتك قد ترفض أن ترتدي قطعة الثياب التي اشتريتها لها لأنها تراها غير مناسبة لما تعتقده وتؤمن به، وهنا ليس من حقنا أن نغضب لأننا لا نتعامل مع اختلاف بسيط في الأذواق يقتضي الذوق أن يتجاوزه الابن حتى يسعده والديه المسكينين ولكنه تخطى ذلك لمعارضة في المعتقد والإيمان والأفكار الخاصة. ولأننا نادراً ما نتقبل أن يكون لأبنائنا معتقدات مختلفة عنا فنحن نتعامل مع مثل هذه المواقف بسطحية غريبة "زي ما يكون الموضوع شخصي والولد ده عايز يموتني ناقصة عمر"، مع العلم إن "ماحدش بيمون ناقص عمر!"
أعرف من الأهل من قضى عمره في محاولة تعليم أبنائه "سماع الكلام" بالإجبار، وآخرين قضوا عمرهم في محاولة إرضاء أبنائهم ظناً منهم أن ذلك سينعكس على الأبناء لإرضاء الوالدين وليس الأمر كذلك، ولم ينجح الفريقان فيما أرادا، ما علينا فعله هو أن نفعل ما هو في مصلحة أبنائنا وفقط، بما في ذلك تعليمهم قيم الاحترام والتقدير وغيرها، وإن أحسنا تأدية دورنا، ثم إن كتب الله لنا أن تسير أمورنا معهم على خير وجه فإن ثمار هذا المجهود ستظهر على سلوكهم معنا ومع العالم من حولنا، ولكننا إن تعاملنا معهم على أنهم استثمار نريد أن نجني فوائده من الطاعة والراحة والرضا، فإننا نضع لأنفسنا أهدافاً غير مضمونة صعبة التحقق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق