الصفحات

السبت، 16 مايو 2015

كيف تتحول لكيس بطاطس

بقلم :أحلام مصطفي



كنت سأضع عنواناً للمقال كيف تتحول المرأة إلى كيس بطاطس" ولكنني رأيت أنه ليس من العدل حرمان الرجال من هذا الحديث على اعتبار أننا نتشارك معهم في هذا المصير في كثير من الأحيان!
 لعل كيس البطاطس وشوال القطن مرتبطة بالمرأة أكثر لأنه هناك اعتقاداً سائداً خطأ مفاده أن غالبية النساء ربّات بيوت من النوع الذي يجلس أمام التلفاز طوال اليوم من مسلسل إلى مسلسل ومن برنامج إلى برنامج وهاتف إلى هاتف، والحقيقة أن غالبية نساء الطبقة الفقيرة التي تشكل ثلث السّكان في مجتمعاتنا تقريباً مضطرات للخروج للعمل حتى يجدن ما يأكلنه وأسرهن آخر اليوم، سواءً في الحقل أو في الشارع أو في بيوت الغير.

لذلك فنحن كثيراً ما ننسى عندما نتحدث عن ممارساتنا المجتمعية وعاداتنا أننا نتحدث من منطلق ما نعرف، وهو الطبقة التي نعيش فيها أو يتوفر لنا بعد الاتصال بها، ولكن بعض الظواهر تتجاوز كل التقسيمات الاقتصادية والاجتماعية والطبقية فيغدو من المنطقي أن نناقشها باعتبارها ظاهرة عامة.

إن تحول المرء إلى كيس بطاطس ليس عملية صعبة، بل هي في الواقع أسهل مما نتصور، فقط علينا أن ننظر حولنا لنراقب كيف يتغير شكل الرأس والجسم ليحاكي استدارة البطاطس المألوفة، ثم يتحول المحتوى الذي يتمثل في العقل وخلافه من أدوات التفكير إلى كتل مسمطة من المواد غير القابلة للتفاعل مع المحيط إلا في درجات الحرارة أو البرودة العالية، "يعني ماحدش بيفرق معاه حاجة إلا لما يتلسع". 

إن عملية التحول إلى حبة البطاطس عملية قابلة للتغيير والتعديل، ولكننا غالباً ما نرتاح كثيراً في كيس البطاطس فلا نجد داعياً لتغيير الوضع المتعارف عليه، فنحن نأكل ونشرب وننام حتى يأتي اليوم الذي نتعفن فيه وتطلع رائحتنا ونُدفن. أو ربما يجد فينا أحدهم بعض الفائدة فيسلقنا أو يحمرنا اعتماداً على تفضيلاته ويستهلكنا قبل انتهاء الصلاحية.

غالباً ما ننظر إلى أنفسنا على أننا المتحكمون في حياتنا وليس على أننا مستَهِلكون، نعتقد بأننا نشتري ما نريد ونأكل ما نريد ونشرب ما نريد، في حين أننا في الواقع منخرطون في الخط العام السائد الذي يحدد لنا كل شيء. لذلك من المفيد أن ننظر إلى أنفسنا على أننا مواد استهلاكية، كحبة البطاطس، أو كيس القطن، أو رأس المشاية، لأن ذلك يضعنا تحت طائلة الواقع المرير الذي يظهر فيه جلياً أننا لا نفعل شيئاً سوى الأكل والشرب والنوم والعمل والاستمتاع، وكلها رغبات وحاجات بهيمية لا علاقة لها بكوننا أشخاص أحرار ذووا إرادة. 

لقد قدم لنا كيس البطاطس مثالاً مهماً وفتّح عيوننا على حقيقة صعبة مفادها أننا في أفضل الأحوال سننتقل منه إلى كيس "الشيبسي"، ببساطة لأننا عندما نفتقد القدرة على الاختيار والقدرة على التغيير، والرغبة في التأثير على المستوى الإنساني نتحول إلى كتلة متحركة من اللحم والدمّ.. فقط لا غير.. قد يستخدمها البعض إن وجد فيها شيئاً من الفائدة وربما تنتهي صلاحيتها دون أن ينظر إليها أحد.


الفرق بين الإنسان وغيره من الموجودات هو قدرته على التغيير والتأثير والتأثر، وليس الانقياد والتتبع، قدرته على الإنتاج وليس الاستهلاك، قدرته على تحسين قدر الإنسانية وليس قدره الشخصي الخاص فقط، ومتى ما انتفت كل هذه القدرات انتفت معها صفة الإنسانية التي خلق بها وتحول إلى كيان مائع يتماهى مع المادة من حوله دون تمييز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق