الصفحات

الجمعة، 8 مايو 2015

ماذا يبقى لنا من الحياة


بقلم : أحلام مصطفي 




تمر على الإنسان لحظات ينظر فيها إلى نفسه لا يرى سوى القليل القليل من المعنى، القليل من كل شيء في الحقيقة، ويدرك كم هو تائه وضائع في تفاصيل كثيرة لا تعني شيئاً في نهاية اليوم. نقف وننظر إلى الصغائر التي تفرحنا فنجدها لا تتعدى أصابع اليد الواحدة وننظر إلى محصول اليوم فلا نجد منها إلا واحد أو اثنين. 


ليس على الحياة عن أن تكون مليئة بلحظات التجلي والرضا، ولكن لعله من الأفضل أن نحاول أن نجعل لها من يومنا نصيب، إن الجانب النفسي والروحي الذي من المفترض أن نهتم به لدينا في حياتنا بات مهملاً بشكل كبير حتى من قبل المتعبدين. فكل أشكال التعبد أصبحت تفتقر إلى أثرها النفسي الروحي بشكل كبير، نحن نصلي لنسقط الفريضة، ونتصدق لنتحاشى المرض والفقر.. ولا مشكلة في ذلك فالله تعالى يُرَغِّب ويُرَهِّب بالأجر، ولكن الأثر الحقيقي للتعبد لا يلمسنا في أغلب الأحيان.


علينا أن ندرك أننا لن نصل إلى غاية الرضا وغاية الراحة بدون الوصول إلى درجة من الصدق مع النفس، نواجه فيها أنفسنا في آخر النهار، نقيم أفعالنا إن صح التعبير، ننظر إلى أفعالنا كم فيها من الإنسانية وكم كان فيها من التحجر والبهيمية. كل جانب من حياتنا يمكن قياسه بهذا المقياس، هل كان من الممكن أن أتعامل مع العالم بإنسانية أكثر مع العلم أنني لن أخسر شيئاً أو لن أخسر الكثير.. إن كان ما يهم هو الربح والخسارة.. 


كل شيء في الحياة من حولنا تحول لصفقة تلو الأخرى، كيف نحصل على أفضل الأسعار، وكيف نحصل على أفضل الخدمات، أفضل العوائد المادية، الوظائف، حتى الناس نقيمهم حسب مدى انتفاعنا بهم، ليس الأمر دائماً واضحاً لنا ولكننا نفعله دون أن ندرك. عندما تتحول الحياة إلى هذا النوع من السلوك العام فنحن نبتعد شيئاً فشيئاً عن بشريتنا ونقترب كل يوم من البهيمية التي نعرف. نعم لم نخلق لحياة القديسين والقاوسة ولكننا لم نخلق لحياة البهائم أيضاً.


لا يمكننا تربية أبناء أسوياء بفطر سليمة ما لم نتمكن نحن من الحفاظ على بعض السلامة في نفوسنا أولاً، ولا يمكننا أن نطالب الناس بمعاملتنا بنقاء وصفاء سريرة إن لم نتبنى نحن ذات المنهج في التعامل معهم. والأحرى بنا أن نفعل ذلك لأنفسنا أولاً وقبل كل شيء، دون التفكير في العائد الذي سنجنيه.


أرجو أن نعيد النظر في علاقتنا مع أنفسنا، فليس الأمر بصلاة وقراءة قرآن أو بتقييم عباداتنا فقط .. ولكنه بدرجة الصدق التي نتوجه بها إلى خالقنا والتي ناجه بها أنفسنا. حتى لا يأتي أحدهم فيفترض أنه يؤدي ما عليه لأنه يسقط الفروض خمس مرات في اليوم.. ويقضي ما تبقى لا علاقة بينه وبين روحانياته بأية صورة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق