تجربة طفلي من الصمت للكلام

كنت أكرر جملة "طفلي تأخر في النطق" عندما دخل طفلي عامه الثاني، كان إحساسي بعجزه عن النطق يتزايد كلما حاولت أن أتكلم معه أو أحكي له أي شئ .. لا ينطق اغلب الحروف ولا أسمع منه سوى همهمات وصرخات تتفاوت نبرتها ودرجة قوتها حسب الموقف.
قابلت كل الاعتراضات المجتمعية لهذه الجملة من ناحية أن كل الأطفال - الذكور - يتأخرون في النطق ولا تبالغي، كنت تحت تأثير هذه المسكنات حتى وصل عمر طفلي عامان ونصف، كنا حينها بالصدفة في زيارة عائلية بها طفلة أصغر منه بأكثر من عام وكانت ما شاء الله بارعة في التحدث .. كان شكله حينها حزين وبائس وهو يحاول أن يكلمها ويتواصل معها ولا يستطيع ذلك حينها قرر أن يظل يمشي معها وينظر إليها وهي تتحدث ويصمت .

كان يتألم ويملئ عينيه الحزن ولم أكن أستطيع تجاهل إحساسي أكثر من ذلك، مع الوقت تطور الأمر لنوبات غضب وبكاء وصراخ بسبب ضعف التواصل بينه وبين الجميع، كان يحاول توصيل أي معلومة لي بالإشارة او بهمهمة غير مفهومة وعندما اعجز عن الفهم تبدأ نوبة الغضب في الظهور على الفور .

لم يكن أمامي سوى خوض الطريق وبدأت معه جلسات تخاطب في رمضان الماضي - كان عمره سنتان و7 شهور - التشخيص بعد الفحص أن الحمد لله السمع جيد لكن عمره اللغوي خاص بطفل لديه عام واحد، جلسات التخاطب كانت فائدتها الوحيدة انني علمت ان مشكلة طفلي ليست في التخاطب بل في ضعف التركيز، أخصائية التخاطب كانت كلما حاولت ان تتواصل معه عن طريق النظر في عينيه كان يتهرب وينظهر في مكان مختلف وعندما تشير بإصبعها على الكلب في الكتاب كان يشاور على الصفحة المقابلة لان بها قطة!
استمريت فترة كفيلة تأكيد إحساسي بعدم جدوى التخاطب معه وفي آخر جلسة قام بنفسه من فوق الكرسي وجذبني من يدي ناحية الباب حتى نخرج للمرة الأخيرة وقد كان... 

ذهبت به لمركز آخر ومر بإختبار تحديد مستوى وكان التشخيص أن لديه ضعف شديد في التركيز ويحتاج إلى جلسات تعديل سلوك، ذهبت لحضور أول جلسة ولكن المدرب اعتذر اعتبرتها علامة أن اتوقف عن هذه الجلسات أيضا، فكرنا في أن نعرضه على دكتور مخ وأعصاب للبحث عن سبب عضوي، كان بداخلي إحساس شبه يقين ان مشكلته عضوية وليست سلوكية، ذهبنا بالفعل وشخص الأمر على انه ضعف في التركيز أيضا وكتب له فيتامينات ودواء لتقوية التركيز يستمر عليهم لمدة شهرين ولابد من الإنتظام في الحضانة. 

في هذه الأثناء كنا نسير بالتوازي في طريق مختلف لم يكن لديّ أي فكرة ان هناك علاقة بين هذا الطريق وتأخر النطق عند طفلي، فهو يعاني منذ ولادته من إنسداد في أنفه بسبب اللحمية .. أكملت في طريق أدوية المخ والأعصاب وطريق علاج مشكلة اللحمية وحساسية الأنف إلى أن اخبرنا طبيب الأنف والأذن انه يحتاج إلى عملية لإزالة اللحمية .. حينها اتصلت بي صديقة لتطمئن عليه واخبرتني ان اللحمية قد يكون لها علاقة بتأخره في الكلام!!! في الزيارة التالية للدكتور سألته هل اللحمية لها علاقة بضعف التركيز وتأخر النطق قال طبعا .. عدم قدرته على التنفس جيدا من أنفه تعني أن الأوكسيجين لا يصل لمخه بالقدر الكافي مما يؤثر على التركيز وأخبرني بأن أطباء الأنف والاذن دائما ما يوصون بإزالة لحمية الأنف للأطفال قبل بداية الدراسة لانها تؤثر على تركيز الطالب بدون شك

وهكذا أخذنا قرار العملية وقد كان .. تمت العملية وبعدها بإسبوع حدثت المعجزة وبدأ في النطق ولله الحمد، حسب ما علمت ان الطفل في عمر سنة يجب ان ينطق كلمة واحدة وفي عمر سنتين يقول جملة من كلمتين وفي عمر 3 سنوات يقول جملة من 3 كلمات وهكذا، طفلي الآن عمره 3 سنوات تقريبا وعمره اللغوي خاص بطفل عمره عامان والكلمات ليست واضحة كلها كما يجب ولكنه يتحسن مع الوقت، لا يمكنني أيضا إغفال دور الحضانة المفيد والقوي في تعليمه كلمات جديدة وتعزيز التواصل بينه وبين زمايله وتحبيبه في الحكايات والحواديت والأناشيد 

يمكن ان تكون تجربتي مختلفة عن تجارب باقي الأمهات ولكن نصحيتي لكل أم هي: صدقٍ نفسك وصدقٍ إحساسك بطفلك ..

إذا شعرتي أن هناك مشكلة فهناك مشكلة بالفعل ويجب ان تطرقي كل الأبواب حتى يوفقك الله للطريق الصحيح وتذكري إن إدراك المشكلة هو بداية الحل 

- لا تستجيبي للمسكنات الإجتماعية من أن طفلك بخير وأنك تبالغين كثيرًا، المتخصصون فقط هم من يحدوون هل هو متأخر في النطق أم لا وليس الأهل والأقارب

- اول ما ستسمعينه عندما تشرعي في حل مشكلة تأخر طفلك في النطق ان المشكلة عندك لانك لا تتحدثين معه كثيرا او لا يختلط بأطفال وليس لديه إخواته، وجوده في الحضانة سيوضح تأثير البيئة المحيطه وأنتِ ايضا ادرى هل تكلمينه كثيرا فعلا ام لا

- ابنك ضعيف ومسؤول منك لذا حاولي في مرحلة علاجه ان تمدي جسور مختلفة للتواصل بينك وبينه عن طريق العطاء المعنوي من قبلة وضمة وضحكة ولعب. 

- قد يغضب كثيرا في هذه المرحلة حاولي ان تحافظي على هدوءك قدر الإمكان ولا تغضبي فتضربيه فتزداد المشكلة سوءا بدلا من حلها

- عند الخروج معه احرصي على وجود وسيلة ترفيه سهل التنقل بها مثل كتاب صغير به صور وألوان او كورة صغيرة وبالبطبع أكل وشرب 

- استعيني بالدمى والعرائس لحل المشاكل السلوكية التي قد تنجم عن مشكلة صعوبة التواصل لانه يسيهل عليه التواصل معهم بطريقته، تعاملي مع الدمية كأنها فرد من أفراد الأسرة لها اسم خاص بها ويمكن ان نعطيه أوامر بطريقة غير مباشرة عندما نوجهها للدمية. 

- قللِ بل إمنعي قنوات الأطفال المخصصة للأغاني، وياحبذا لو تقنني ساعات جلوسه امام التلفاز بشكل عام

- عندما يصل سن سنتين إدخليه حضانة مشهود لها بالكفاءة لان الاختلاط بالآخرين سيفيدك وإذا كان هناك مشكلة ستظهر بالمقارنة مع أقرانه

- حاولي في هذه المرحلة تفريغ مشاعرك بكل الطرق الممكنة مثل الكتابة والبكاء ومشاركة اصدقائك وافراد عائتلك للمشكلة وطلب الدعاء منهم 

- أخيرا تقربي من الله وادعيه يفك عقدة لسانه وتصدقي بنية شفاءه وصلِ قيام ليل واكثري من الدعاء، فهو وحده القادر على علاجه وإلهامك الطريق الصحيح .. استعيني به لان هذه المرحلة قد تكون صعبة وقاسية ولكنها ستعدي بإذن الله .. ابشري :)