من تجربتي مع "مرض" الاكتئاب

.

قدر الله أن أصاب بمرض الاكتئاب.. تجربة طويلة وصعبة ومرهقة. وهذا المقال لا أكتبه لسرد الأحداث والتفاصيل, بل للفت الانتباه لعدد من النقاط قد تكون غائبة عن البعض, وقد تساعد محتاجًا.

الخطاب في المقال موجه للنساء باعتبار بداية مرضي كانت بعد ولادتي لابني فيما يعرف باكتئاب ما بعد الولادة.

1- الوعي بالمرض شيء لابد منه, عليك أن تقرأي عن الاكتئاب وأعراضه في فترة حملك حتى تتمكني من التصرف في حال شعرت ببوادر اكتئاب.. معظم إن لم يكن كل الأمهات تتعرضن لشيء من الاكتئاب بعد الولادة نتيجة تغير شكل الحياة والإجهاد والمسؤوليات, عليك أن تعرفي حدود ما هو طبيعي وما هو أكثر من الطبيعي بالحديث مع أمهات "ثقات راشدات" متقاربات منك في السن والظروف عن الحالة التي عاشوها بعد ولادتهن.. وتحديدي للأمهات بالثقات الراشدات لأن هناك نوعًا من الناس يحبون التهويل وإشعار من حولهم بأنهم عانوا معاناة شديدة وأنهم أبطال.

2- حاولي أن يكون لديك معرفة بطبيب نفسي ثقة تلجأين له وقت الحاجة.. لا تنتظري وقوع المشكلة ثم نبدأ بعد ذلك البحث عن الطبيب. وجود طبيب نفسي في دائرة أطبائك الثقات أصبح ضرورة هذه الأيام. قد لا تحتاجين إلى اللجوء إليه على الإطلاق.. ولكنه موجود عند الحاجة.

3- في حال شعرت بالإحباط أو الإرهاق أو التقصير في مهامك – وهذا كله طبيعي - إلجأي لطلب الدعم من الأشخاص المقربين منك بدون أن تشعري بأنك حمل عليهم.. حاولي أن تجدي ولو شخص واحد يمكنه مساعدتك ويتفهم احتياجك في هذه المرحلة للدعم والمساعدة.. وتذكري دائمًا أن ما أنت فيه طبيعي والجميع يمرون به.. وأنها أيام معدودة وستمضي على أي حال وستعودي مرة أخرى إلى حياتك الطبيعية بمجرد أن يكبر ابنك قليلاً.. وأن من يساعدونك اليوم ستساعديهم أنت غدًا.

4- وفي حال إذا شعرت بأن الأمر يتفاقم وأنك لا تستطيعين السيطرة على اكتئابك بعد محاولاتك للخروج من هذه الحالة لا تترددي في الذهاب إلى الطبيب.. المساعدة المبكرة ستمنع عنك شرورًا يسببها التأخير في العلاج.. قد لا يحتاج الأمر إلى تدخل دوائي إذا استعنت بمتخصص في فترة مبكرة.. في حالتي لم أتوجه إلى الطبيب إلا في درجة متأخرة.. وكان التشخيص المبدأي "اكتئاب حاد".. فلماذا تتركي نفسك حتى يصبح الاكتئاب "حادًا"؟!

5- بعد ما سبق أحب أن ألفت نظرك لنقطة مهمة.. في حال لم تجدي عونًا ممن حولك أو موافقة على ذهابك للطبيب حاولي أن تكوني قوية وحاسمة في تلك النقطة.. توجهي إلى الطبيب بمفردك.. فمعظم الناس حتى الآن لم يقتنعوا بعد بالحاجة إلى الطبيب النفسي.. ستجدي الكثير من الجمل من عينة: "كلنا عدينا باللي انتي فيه وما احتاجناش لدكاترة".. "اقري شوية قرآن وصلي ركعتين وانتي تبأى كويسة".. لا تستمعي إليهم.. ابحثي عن مصلحتك واسعي فيها.. وتذكري دائمًا أنه "ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتول أنت جميع أمرك"

في حالتي حينما ذهبت إلى الطبيب لم يكن هناك من يدعمني.. وذهبت إلى الطبيبة بمفردي تمامًا.. وكان زوجي يرى أنه لا يوجد ما يسمى بالحاجة إلى الأدوية لعلاج الأزمة.. ولكنه بعد أن رأى التحسن الذي نتج عن العلاج بعد فترة صار مقتنعًا بأهميته.

6- ما هي علامات بوادر الاكتئاب؟
-      اضطرابات النوم.. الأرق وصعوبة الدخول في النوم والكوابيس أو الرغبة المستمرة في النوم.
-      الإحساس المستمر بالذنب والتقصير تجاه كل من حولك.
-      الرغبة في التخلص من حياتك أو حياة طفلك.
-      التفكير المستمر في أن في الموت الخلاص مما أنت فيه.
-      عدم الرغبة أو القدرة على القيام بمهام حياتك اليومية.
-      عدم القدرة على الاستمتاع بالأشياء التي اعتدت الاستمتاع بها قبل ذلك.


7- عليك أن تدركي تمامًا أن المرض النفسي ليس دليلاً على بعدك عن الله أو نقص إيمانك.. وأنه مرض يصيب "المؤمنين" أيضًا.. لا علاقة للأمر بقراءة القرآن والصلاة.. فحين تؤلمك معدتك مثلاً لن تتخلصي من الألم إذا قمت للصلاة.

8- المرض النفسي ليس عيبًا أو سُبة في حقك.. تحدثي مع من حولك عن تجربتك ليراعوا ظروفك ويقدروها.. حينما تأخرت في دراستي في الماجيستير أخبرت مشرفتي ورئيس القسم بمرضي ولم أجد منهما إلا التعاون والتقدير والمساعدة.


9- بعد تجربة مرضي صار لكلمة الاكتئاب "جلال".. صرت أفرق بين كوني "محبطة" و"مضغوطة" و"مكتئبة".. وأصبحت أشعر بالضيق من وصف الناس لنفسهم بأنهم "مكتئبين".. فالاكتئاب مرض صعب يجب ألا يستهان بأمره.. عافى الله منه الجميع .