بمناسبة ظهور نتائج الثانوية العامة تفكر بعض الأمهات حديثًا ( ممن أجبرتهن الظروف علي المكوث في المنزل و عدم العمل ) بأن الشهادة لا معني لها و لسان حالها يقول : ياريتنا ما إتعلمنا و اللي إتعلموا عملوا ايه يعني ولا أنا عملت ايه .
هذا النمط من التفكير أسمه التفكير النداب و هو نمط للاسف شائع في الثقافة المصرية ... و هو تفكير سلبي للغاية و لا ينبني عليه أي قيمة إيجابية و لكن على العكس يجعل المرء ( المرأة في حالتنا ) دائمة السخط على حالها .
لنتأمل الأمر بهدوء لعلنا نتمكن من تغيير النظرة الذاتية للأمر .
بداية ، فالسوق المصري حاليًا سوق غير آدمي في العمل و هذا للجنسين ... و هو بشكل عام طارد للعمالة النسائية (خاصة المتزوجة منها ) فليس من السهل الحصول على عمل في التخصص و تتناسب مواعيده مع كون المرأة لديها مسؤوليات آخرى في المنزل عليها القيام بها . فهناك كثيرات يبدين مصلحة الأسرة و هذا الكيان الناشئ إن تعارضت ظروف العمل معها .. صحيح أن هناك بعض الوظائف في أماكن محدودة لازالت مناسبة ، و لكن كم في المئة من إجمالي سوق العمل أصبحت تلك الوظائف موجودة ؟
و بما أن سوق العمل في مصر غير آدمية و من الصعوبة ان تكفل حياة كريمة حتى بالنسبة للرجال ، فكان خيار السفر للخارج خيارًا ليس ببعيد للمعظم . وأصبح لدي الفتاة المتزوجة ظرف أنها تفضل صحبة زوجها في الخارج حتى يكون للزواج معني و تحافظ علي الأسرة . و مرة أخرى تجد نفسها بلا عمل خارج المنزل .
هل فعلًا التعليم لا لزوم له للمرأة إن كانت في النهاية ستتزوج ؟؟
- هذا للاسف ينم عن نظرة قاصرة للعلم عمومًا . و أسفًا غالبًا ما تظلم المرأة نفسها بهذا النوع من التفكير ... فتجد كاريكاتير أقل ما يمكنني وصفه أنه مدمر يصور المرأة المسكينة و هي تغسل صحون و أمامها شهاداتها الجامعية !! كأن المفترض ان لا تعمل المرأة المتعلمة في منزلها أو ان التعليم يتعارض مع المهام الأساسية !!!
فلا يجب أبدًا النظر للعلم بالذات تلك النظرة المادية البغيضة التي أصبحت تسيطر علي كل شئ . العلم قيمة في حد ذاته و ليس من المفترض أن يؤدي كل علم إلي مال ، حتى يكون التفكير الوحيد أن الشهادة لابد ان تترجم بشكل مادي علي هيئة وظيفة تأتي بالمال في سوق العمل . هناك قيمة مثل قيم طلب العلم لابد ان توجد في الجامعة و حتي إن لم تكن مناهجنا تعززها و لكن لابد من أن يجتهد المرء ليحصل عليها . يكفي إستثمار المرء في نفسه أن يكون أكثر سعة أفق و أكثر إطلاعًا و أقدر على الفهم و المقارنة .
- في بلد مهترئ مثل مصر . هل التعليم حتي بالنسبة للذكور له علاقة بسوق العمل ؟ إم أن سوق العمل في النهاية له إعتباراته الأخرى و هذا للجميع ؟ الامر يحتاج لتعديل في البنية التعليمية نفسها و لكن ليس من بين هذا التعديل هو ان التعليم الجامعي لا قيمة له !
- كل مرحلة في حياة الإنسان تضيف له فمن قال أن التعليم الجامعي أهميته "فقط" في إيجاد مهنة ؟؟ أليست هناك تجارب حياتيه يتعلمها المرء في الجامعة ؟؟ أليست هناك خبرات في التعامل خاصة الانشطة الطلابية ؟؟ حتى علي المستوي الشخصي أليست الجامعة تعتبر مرحلة فطام فكري و يتبلور فيها تفكير المرء و يعرف إتجاهه الحقيقي و الذي غالبًا ما يكمل معه بقية عمره ؟؟ إسئلي نفسك هل فلانة بعد التخرج من المدرسة هي هي فلانة بعدما تخرجت من الجامعة علي كافة الأصعدة العقلية و الإنسانية و التعاملية و النفسية و الفكرية ؟؟ لا يجب قصر التجربة الجامعية في جانبها المادي فقط و إغفال بقية الجوانب الأخرى .
- الفتاة ليست مكلفة بالصرف و إقامة المنزل مثل الشاب ، وهذا يتيح لها حرية قد لا تتوافر للشباب في دراسة مجال تحبه قد لا يأتي بوظيفة ذات مال وفير مجزي . هذه ميزة نسبية لا تنتبه إليها الفتيات لأن قيم العلم أساسًا لا تحظ َ بمكانتها الحقيقية في مجتمعنا لاسباب عديدة .
أرجو أن لا يُفهم من كلامي أني اقر بالوضع الحالي للتعليم . اؤمن أن المنظومة لابد أن يتم نسفها و لكن ليست المقالة مجال ذلك . خطابي موجه بالأساس لمن خاضت و أنهت بالفعل هذه المرحلة من حياتها و قد تنظر لنفسها بسلبية أن التعليم لا لزوم له .
في النهاية لابد أن أؤكد على أن النساء اليوم أصبح لديهن من العلم و الوعي ما يمكنهن من الحديث عن أنفسهن و ما يردن و لابد من إدراك ذلك و الكف عن لعب دور الناصح أو المرشد أو ما هو مطلوب منها دون مراعاه ما تريده هي . و اؤكد ايضًا أن عمل النساء من جلوسهن هو خيار خاص بالأسرة نفسها و لا علاقة لأحد به . فأرجو الكف عن النظر بسلبية أو بإيجابية لكل من المرأة العاملة أو من إختارت المكوث في المنزل . لكل شخص ظروفه الخاصة و قدراته و إمكانياته ... فبدلًا من دور القاضي المتربص بالآخر فلنلعب دور الصديق الرحيم المتفاهم الداعم لخيار الآخر و الذي يقدم النصيحة عند الطلب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق