الصفحات

الخميس، 24 يوليو 2014

عن الأشياء التي لا تستحق..

بقلم: أحلام مصطفى


كثيراً ما ندخل في صراعات صغيرة كلما تعمقنا في تعقيدات الحياة وتنقلنا بين مراحلها، صراعات تستهلكنا وتأخذ من وقتنا ومجهودنا الكثير حت إذا مرت السنوات ونظرنا إليها من بعيد وجدناها التهمت أعمارنا ولحظات السعادة فينا، في حين كان من الممكن أن نتعامل معها بما تستحقه من لا مبالاة وعدم اكتراث.

أصبح المجتمع الذي نعيش فيه بل ربما العالم يركز كثيراً على ممتلكاتنا الخاصة وحيزنا الشخصي و غيرها من المفاهيم التي ربما لها سناتها لا بل هي مهمة في جوانب الحياة المناسبة ولكننا للأسف كثيراً ما نسيء تفسيرها لتصبح سبباً للمشاكل الواحدة تلو الأخرى، بسبب تعليق أو كلمة أو نصيحة أو سلوك نفسره على أنه تعدٍ على حريتنا أو رفض لشخصيتنا وتفردنا في حين أنه في الواقع ممارسة بسيطة لحريتهم الشخصية والاهتمام فيما يعتقدون أنه يخصهم.

ولعل هذه المشاكل تزيد وتيرتها وتتضاعف عندما ندخل مرحلة ربما تعد من مراحل الاستقلالية عن الأم والأب والعائلة كمرحلة الزواج، فنصبح مترقبين نريد أن نعيش كل تفصيلة توقعناها وتخيلنا طريقة تعاملنا معها بمفردنا، نريد أن نحدد طريقة حياتنا بعيداً عن متطلبات الآخرين ولكن كما نراها نحن مناسبة، نريد أن نفصل وقتنا ونشاطاتنا وممارساتنا حسب الأسرة التي صوّرناها في أذهاننا وحسب المبادئ التي قضينا سنوات في تشكيلها، والمعارف التي جمعناها طول سنين حياتنا حتى وصلنا إلى هذه النقطة.

ولكننا ربما نفاجأ بأن الواقع ربما يكون مختلفًا فليس كل شيء يسير بحسب رغبتنا وليست الحياة بتلك الاستقلالية، وليس بمقدورنا الانعزال تماماً ولا التعامل مع الحياة التي بدأناها وكأنها بعيدة عن الأسماع والعيون، ولا أعتقد أن هذا هو الوضع الطبيعي، على الأقل ليس في مجتمعاتنا، ربما تأثرنا قليلاً بما ذكرته من ثقافات الفردية وشيوع النزعة نحو الانعزال، فأصبحنا نستنكرونستغرب أن يتمدد تأثير العائلات الكبيرة إلى عائلتنا أو تأثير الآباء والأمهات والجدات إلى أسرتنا الصغيرة، ونحس بأننا محاصرون ومقيدون وغير قادرين على التنفس دون أن نجد من يعلق على كل سلوك وكل تصرف أو لديه ملاحظات على كل رأي ووجهة نظر.

وليس الحلّ في المواجهة والمقاومة والتعامل مع هذه الظواهر على أنها كوارث، ومصائب ومنغصات، واعتبار عن من أمامنا يسعى إلى تدمير أسرتنا ويحرمنا من فرصة الحياة بحرية وكما نريد، ولكن ربما بفهم أعمق لطبيعة السلوكيات ومصادرها، فليس من الحكمة أن نتوقع من أمهاتنا وآبائنا أن ينسحبوا من حياتنا تماماً فور أن نتزوج، وليست ملحوظاتهم وانتقاداتهم رغبة في تبيان فشلنا أو عدم كفاءتنا وإن كان ذلك يصدر عن البعض ولكنه سلوك دفاعي في أغلب الأحيان، تجد فيه الأم نفسها في مواجهة امرأة جديدة تحتل مكانة جديدة في حياة ابنها أو الأخت في حياة أخيها، فتغلب المشاعر الدفاعية على الحكمة، والعشم على الواقعية وتبدأ الأمور من هناك في التصاعد.

وفي الجانب الآخر ربما تجد الأم تستاء من استقلالية ابنتها المفاجئة وعدم حاجتها إليها كما كانت تفعل، فتحاول استعادة دورها المفقود بشيء من التدخل المفرط وفرض المساعدة في التفاصيل الصغيرة أو الرغبة في معرفة أدق الدقائق. وهذه الأمور كنت ناقشتها في مقال سابق لها أسبابها ودوافعها لاسيما عند الأمهات اللواتي يكرسن الحياة لخدمة الأبناء دون وجود منافذ أخرى لطاقاتهن يمكن اللجوء إليها بعد أن يكبروا ويستقلوا.

بالعودة إلى الحلول، أجد أن القضية تكمن في اختيار الأمور التي تهمنا فعلاً، والتي تؤثر على حياتنا فعلاً، والتي يمكن أن تتصدم مع المبادئ التي نؤمن بها أو نريد أن نربي أبناءنا عليها ونتعامل معها بحكمة، فنصر على مواقفنا دون مواجهات قدر المستطاع، ونغض الطرف عن التفاصيل البسيطة التي ربما لا تكون مثالية ولكن أثرها لا يدوم، فلن تتدمر حياتنا إن غيرنا طريقة صنع وجبة ما، أو غيرنا مكان قطعة أثاث، أو نفذنا طلباً هو في أعيننا غير ضروري ولكنه بالنسبة للطرف الآخر مهم. فالحياة ليست تستقيم باتخاذ المواقف وتسجيل النقاط، ولكن بحسن التعامل مع العقبات وتفادي الصدامات دون التفريط في المسوؤلية أو المساومة على المبادئ

. فأهم ما ينبغي أن يدور في أذهاننا عند الحكم على الأمور هو سؤال الله لنا عن أماناتنا هل وفيناها حقها أم ضيعناها، وليس عن كبريائنا ورغبتنا في إثبات أنفسنا طوال الوقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق