الصفحات

الخميس، 4 ديسمبر 2014

فلسفة الفشل وتكسير المجاديف

بقلم : أحلام مصطفى 

كوننا نعيش في مجتمع لا يعرف الكثير عن احترام شخصيات الآخرين، أو تقدير خصوصياتهم وتفردهم، ولدينا رغبة دائمة في تحويل الجميع إلى نسخ متشابهة من نفس القالب "اللي مش ناوي يتكسر!"، فإن ذلك يجعل من الصعب علينا أن نتقبل الخطأ على أنه طبيعة بشرية ولكن على أنه علامة فشل أصيل، وانعدام للوجود وخروج من قائمة "البني آدمين المرحب بيهم في المجتمع المثالي".

للأسف عدم قدرتنا على التعامل مع الاختلافات التي تميز كل فرد وكل عائلة وكل جزء من المجتمع هي التي تعتبر الاختلافات الطبيعية أخطاءً، والأخطاء الحقيقة مؤشرات فشل، بدلاً من التعامل معها ببساطة كجزء من كوننا بشر لكل منا طبيعته الخاصة، وحياته التي تختلف تفاصيلها عن حياة الآخرين.
 ولهذا؛ فمن الطبيعي أن نختلف في أمور كثيرة منها اختياراتنا وربما أخطاؤنا، ولكنها في المحصلة هى أخطاؤنا نحن لأننا نجرب أن نعيش الحياة بما يتلاءم مع تجربتنا وليس كما عاشها آخرون.

بالنسبة للأزواج والزوجات والآباء والأمهات يغدو الضغط أكبر وأكثر تأثيراً لأن الخطأ أو الاختلاف الذي قد يبدو لأصحاب الشأن  ذي أهمية كبرى، أو يمكن التعامل معه يتم التعاطي معه من قبل آخرين على أنه دليل بداية انهيار وسقوط في الحياة الزوجية أو تجربة التربية.
أعرف امرأة اختارت أن تتجاهل فكرة الأربعين يوم نفاس التي عهدها المجتمع وأن تعاود حياتها الطبيعية ببساطة بعد الإنجاب، لقدرتها على ذلك ولأن ولادتها تمت بشكل طبيعي، وكانت وجهة نظرها أنها مادامت قادرة وتريد فلم لا. "طبعاً كل أفراد الأسرة كلموا زوجها وأصحابوا وأصحابها وإزاي وليه وصحة العيل وهي ستنهار وما إلى ذلك من خزعبلات"، طبعاً الأخت تعاملت مع الموقف بمبدأ أذن من طين وأذن من عجين حتى وصلت اطراف التلاسن إلى زوجها، عندها اضطرت للحديث في الموضوع علناً وإيضاح وجهة النظر الطبية وأنها ليست مجبرة على قبول القالب الذي فُرض عليها.

قد يمتد الأمر ليتجاوز الاختلافات إلى أخطاء حقيقة ربما، أو وجهات نظر تتغير مع الوقت، وهي أمور من الطبيعي أن نقع فيها جميعاً أزواج وزوجات وآباء وأمهات لأنها تأتي دائماً مع التجربة والتغيير والرغبة في الاكتشاف ومحاولة التجديد والبحث عن الأفضل، وليس من حق أي أحد أن يحرمنا من هذا الحق فقط حتى لا نقع ضحية التمييز وتعليقات السلبية والتعرض لنا بالأذى والسخرية وربما الإهانة.
 أعرف الكثير ممن سقطوا في كآبة شديدة وإحساس بضياع نتيجة لمحاولتهم المستميتة لإرضاء الجو العام وتلافي "الأخطاء" "اللي جابتلهم وجع القلب والدماغ عمرهم ما كانوا يتخيلوا حدوثه فقط لأنهم يمارسوا  حقهم في الاختيار". 

لا أعرف كيف يفكر أولئك الذي يطلعون بمهمة تكسير المجاديف وترسيخ روح الهزيمة في الآخرين، هناك فرق بين تقديم نصح أو نقد يهدف للتقويم وتقديم العون وبين أن يكون هدفك الوحيد هو بيان خطأ من هو أمامك ومدى روعتك وجلالة قدرك أمامه.
 ربما الأمر يأتي بالتربية، وربما لأننا نعيش في مجتمع هذه طبيعته "دوس على اللي قدامك عشان تطلع فوق"، وربما للأمر علاقة بالحالات الفردية، ولكن المحصلة أن نحاول أن لا نقع في نفس الدائرة وأن لا ننقلها لأبنائنا حتى لا يتكون ذلك السواد شيئاً فشيئاً في نفوسنا ونفوسهم ويغلب التطبع على أصلاتنا وصدقنا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق