بقلم : أحلام مصطفى
بالأمس استشارتني إحدى أخواتي بخصوص حديث
لأحد "الأخصائيين الاجتماعيين" عن الزواج والحب الذي لا يدوم وخلاف ذلك
من أفكار. القضية الأساسية التي علقت في ذهني هي الحديث عن كون المرأة غالباً ما
تسعى لجعل الجميع يحبها إلا نفسها، فنحن نجلد أنفسنا كثيراً في بعض الأحيان، وفي
أحيان أخرى نظلمها بعدم الصدق وعدم القدرة على المواجهة، فتقع ضحية الكبر والمغالاة
والتوغل في الخطأ.
فكري جدياً مع نفسك كم عدد الأشياء التي
فعلتها اليوم وفيها تعبير واضح عن تقديرك لنفسك واحترامك لها، لا أتحدث هنا عن
إرضاء الرغبات الشخصية كتناول وجبة دسمة أو مشاهدة مسلسل تافه أو شراء ملابس جديدة
أو غير ذلك من الأمور التي تفعلها كل النساء.
أتحدث عن أفعال فيها دلالة صريحة على
أنك تعطين نفسك أهمية من نوع ما، كأن تخصصي وقتاً للراحة تفكرين فيه في أمورك
الخاصة وأحلامك ومنظورك الخاص لحياتك. أن تطلبي من زوجك يوماً في الأسبوع لحضور
ندوة أو درس أسبوعي أو أي نشاط فيه تنمية لك وتعزيز لشخصيتك. أن تتعاملي مع أطفالك
على أنهم أمانة في عنقك؛ نعم تقدمين لهم كل ما هم بحاجة إليه ولكن دون أن تكوني
مستعبدة عاطفياً ومادياُ.
إن الحديث عن حب النفس لا يعني إغراقها في
الملذات ولكن بإعطائها حقها من الاهتمام والتقدير كما نفعل بالآخرين من حولنا، كأن
نتناول طعاماً جيداً بدلاً من البقاء على لقيمات طوال النهار لأننا غير قادرين على
منح أنفسنا أي قدر من الأولوية، أو أن نمارس نوعاً من النشاط الجسدي الذي يعيننا
على قضاء حوائج الحياة دون مشاكل في الصحة وآلام الظهر والأرجل والمفاصل، أو أن
نعطي عقولنا شيئاً للانشغال به إلى جانب الأنشطة اليومية الرتيبة ذاتها. إنه حديث
عن "إن لنفسك عليك حقاً"، وعن قدرتنا على إيجاد المعنى الحقيقي للاهتمام
بالنفس بدلاً من تدليلها. قد يكون اهتمامك بنفسك في منعها عن ما يضرها مما تحب، أو
إكسابها عادة جديدة قد تنفعها، تماماً كما نهتم بأزواجنا وأبنائنا بهذه الطريقة
وغيرها.
أعرف من النساء مع تتلاشى تماماً في بيتها
وزوجها وأبنائها، ثم تشتكي من عدم التقدير، وكل القضية أنها لم تعودهم على تقدير
ما تقدم لهم، بل منحتهم إحساساً بأن كل ما يحصلون عليه هو تحصيل حاصل وحق مكفول
وليس تضحية منها بوقتها ومجهودها.
في الحقيقة لا يحب الرجل من زوجته أن تكون ضعيفة
مستكينة، ولا متغطرسة خبيثة، إن الأمر هو في تحقيق التوازن بين العطاء واحترام
الذات، بين منح الحب والتفاني واستقبالهما وتوقعهما بل والإيمان بأنك تستحقينهما
وإلا فلن تجديهما. الأمر ليس تحدياً أبداً ولا سياسة تتبعينها، ولا هو تحريض على
العصيان والتمرد كما قد يعتقد البعض، كل القضية أنك كلما أحببت نفسك أكثر وأحببت
ما تفعلين فإن ذلك سينعكس على علاقتك بمن حولك وبعطائك لهم.
ليس الأمر تافهاً أو ثانوياً، ولا نوعًا من
الأنانية، وليس ضرورياً عن يتحقق في صورة مادية، كل القضية هي خلق شعور داخلي
يمنحك السكينة والسلام حتى تتمكني من النوم في آخر يوم وأنت مؤمنة بأنك تستحقين
السعادة التي تريدين أو التي تحصلين عليها، ولست أقل قيمة أو قدراً من أن يتم
الاعتراف لك بمثل هذا التقدير. أغلب المشاكل التي أراها تتجسد بين الأم والأب أو
بينها وبين الأبناء سببها عدم رضا الأم عن نفسها ورغبتها في الإحساس بأنها موجودة
ومرغوب فيها فتبدأ في التدخل في شؤون زوجها وأبنائها بصورة تدفعهم إلى الهرب
بعيداً والتململ والشكوى، وتظل هي حبيسة إحساس القهر والعجز وكأنها لا تستطيع فعل
شيء دون الحصول على رضاهم أو موافقتهم على أفعالها. هنا تكمن أهمية القضية.. أن
يأتي الإحساس بالرضى من الداخل لا من الخارج، أن ينبع من احترام للنفس يمنعها من
الوصول لمرحلة من التعاسة التي سببها إهمال الآخرين.
جزاك الله خيرا أحلام، أوافقك مائة بالمائة :)
ردحذفوإياكم يا رب :)
ردحذف