بقلم : أحلام مصطفى
غالباً ما أبتعد قليلاً عن أحاديث الوعظ المباشر التي تتخذ أسلوب الخطب والإرشاد، وأحاول أن يكون الأمر أكثر واقعية مما نراه في أغلب المواقف التي تستدعي هذا النوع من الحديث، بدلاً من الكلام المنمق والأفكار المثالية التي نجد أنفسنا بعيدين كل البعد عنها تفصل بيننا وبينها مسافة كبيرة تمنعنا من تحقيقها، فنبقى في مكاننا بلا حراك.
لن أغير ما تعودت عليه اليوم، أريد أن أتحدث عن علاقتنا مع الإله في حياتنا، وعن الطريقة التي نجعله جزءًا منها وأو لا نجعله.
بعضنا يتعامل معه كقيمة مضافة تحقق بعض التوازن المصطنع، وآخرون يرون فيه تقييداً لرغبات النفس وحصاراً عليها، وغيرهم يرون فيه ملاذاً من كل قبيح مكروه. ولكن في الحقيقة قليل منّا من يتخذ وقتاً ليفكر مع سبق الإصرار في علاقته مع الإله وطريقة رؤيته له وتعامله معه وكيف تؤثر هذه الرؤية على حياته وكيف تجعله إنساناّ أفضل أو ربما أسوأ.
أعتقد أن الكثير منا ولد واعتاد على وجود مفهوم إله رقيب في حياتنا بصورة ما، أياً كانت الديانة التي يعتنقها، نكبر وفي خلفية عقلنا ذلك التقسيم بين الخير المتمثل في الطاعة والشر المتمثل في المعصية، الملائكة والشياطين من البشر، ولا وجود لشيء ما في المنتصف، لا وجود للبشر المخطئين إلا ليتوبوا فقط، ما أقصده أننا لا نربي أنفسنا ولا أبناءنا على أننا في الأصل خطّاؤون، وأن الأتقياء الأنقياء الذين لا يخطئون غير موجودين في الواقع فلا بشر معصوم، كل القضية أن أخطاءنا مستورة لا يراها سوانا.
وعلى هذا الأساس فإن الزلة والمعصية والخطأ ليست وصمة عار تلحق بمرتكبها، نعم إخفاؤها الأصل حتى لا نكون ممن يتبجحون بأخطائهم لكنها إن كانت خطأً عليناً في طبيعته فليست نهاية العالم كما يصورها لنا البعض.
أخطأ الكثيرون في التاريخ وتابوا وكانت أخطاؤهم عظيمة، لا زلات لسان، أو غيرها من السقطات، فلما تابوا عادوا كيوم ولدوا ولم يحق لأحد أن يفتح فمه ليعايرهم أو يذكرهم بذلك الخطأ. فلماذا نعلم أبناءنا بأن الذنوب لاصقة بهم كوصمة العار التي ستلاحقهم، ونظل نكررها أمامهم، وأكثر من ذلك أن تحل الأخطاء التي تأتي من اختلاف وجهات نظر لا الحلال والحرام فنجعلها بمثابة الذنب العظيم ونصبح نحن الآله نريد التحكم في مصائر الناس وحيواتهم كما نشاء.
نعيش ونحن نعتقد أننا ندين لإله، ولكننا في الحقيقة لا نتحرر من عبودية أنفسنا، ولا عبودية الآخرين، ولا عبودية الأشياء. نفوسنا التي تتكبر وتظلم وتعتقد أن لها أحقية الحكم على الناس أو الأفعال، وعبودية الناس الذين نعطي آراءهم ونظرتهم إلينا أهمية تجعلهم يتحكمون في كل ما نتخذه من قرارات في حياتنا، فتأتي أولاً حتى قبل الإله الذي نتعبد له بالصلاة والصوم، والأشياء والماديات التي تستيطر على غرائزنا أو رغباتنا فنعتقد أننا بها نحقق شيئاً وبينما في الواقع نخسر أشياء.. قد نسرق أو نكذب أو نخدع حتى نحصل عليها، فكيف تكون حرًا إن كنت لا تستطيع أن تمنع نفسك من ارتكاب جرم للحصول على مال أو مادة.
إن جزءاً كبيراً من الخلل ربما يكون في تربيتنا والمجتمع الذي نعيش فيه، في العرض الديني المنتشر، وفي المفاهيم الاجتماعية التي تسيطر علينا، ولكن في مرحلة ما نحن المسؤولون عن اختياراتنا وسلوكنا بصورة كاملة وعلينا تحمل المسؤولية تجاه ذلك. لا يمكننا أن ظر تعامل مع الإله على أنه دفتر حساب نلغي منه ما هو مطلوب فنضع علىمة صح أمام ما تم إنجاز من صلاة أو صوم أو ...، و نضع علامة خطأ أمام ما لم يتم وما قررنا أننا لا نريد إنجزاه على اعتبار أنه حرية شخصية وأن مستقر الإيمان هو القلب.
أساس الموضوع هو أن نعيد تقييم تلك العلاقة مع الإله، ما هي؟ وكيف هي؟ وكيف نعيد بناءها؟
هل هي علاقة متكاملة نجده فيها معنا في كل حين، لا رقيباً ولكن "ولياً" يرانا ويسمعنا ويكون معنا أينما توجهنا، أو هو فقط كالسيف الذي يسلط على رقابنا متى أريد منا أن نفعل شيئاً دون نقاش أو تفكير؟ أم هو مجرد ديكور يزين حياتنا المادية البعيدة كل البعد الروحانيات مهما كان نوعها؟. هذه أسئلة علينا أن نجيب عليها.. من أجلنا أولاً ومن أجل أبنائنا ثانياً.. فأنت لا تريد أن تربي بشرًا من آليين دون روح حقيقية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق