الصفحات

الجمعة، 9 يناير 2015

كيف نعيش خارج الفقاعة

بقلم: أحلام مصطفى


كثير منا يتساءل كيف يربي أبناءه في هذا العالم، ماذا يقول لهم وماذا يخفي عنهم، وكيف تقدم لهم المعلومة وكيف تتعامل مع فضولهم ورغبتهم في المعرفة. وحقيقة الأمر أن القضية محيرة.. ليس لها طريقة واحدة يمكن بها التعامل مع المواقف. ولكن الأكيد أننا يجب أن نضع تربية أبناء منتمين للعالم الذي يعيشون فيه، يحملون همومه وأوجاعه، يتعاطفون مع الضعيف ويساعدون المحتاج أحد أساسيات مهامنا كآباء وأمهات ومربّين في المدارس والجامعات وغيرها من مساحات النقاش والحوار والتلاقي.

أعرف أن الكثير من الآباء والأمهات يفضلون تحصين أبنائهم ضد كل ما يحزنهم أو يسبب لهم الأسى من آلام الآخرين، ولكنهم في نفس الوقت يضربونم ويؤذونهم نفسياً وجسدياً! وكأن هذا الأذى ليس أسوأ على الطفل من الأول. ثم هناك من يريد لأبنائه أن يعيشوا وأقصى أمانيهم حياة "كريمة" بعيدة عن المنغصات مهما كان مصدرها يكفي أن يتعلم ويشتغل ويتزوج ويسافر ليقضي وقتاً لطيفاً وكفى. وآخرون يرون في تربية الطفل الأخلاقية بهذه الطريقة مضيعة للوقت فسوف يكبر ويرى بنفسه وليس من داعٍ للاستعجال.

لكن الوقت الذي يمر لا يعوض، والطفل الذي يكبر على عادة التحجر والتجمد العاطفي والابتعاد عن كل ما يكدر لن يجد في نفسه القدرة عندما يكبر على التعاطف أو الاهتمام إلا بعد بذل مجهود وإعادة تربية للذات صعبة وشاقة وطويلة. قد يقول قائل وما الفائدة من كل هذا؟ في الواقع ليس من الضروري أن يكون لكل أمر فعله فائدة شخصية تعود لنا نحن، وليس من الضروري أن يكون كل فعل نفعله يمنحنا الإحساس بالرضا والسعادة ولا أعتقد أن هذا هو الهدف من الحياة.
 إن التربية القائمة على الفائدة فقط هي التي تجعلنا نقف في مواقف نجد فيها من هم أمامنا لا يبالون إلا بمصلحتهم ثم نأتي نحن ونشتكي من مثل تلك السلوكيات التي نربي أبناءنا عليها نحن أيضاً!

ليس الحل أن نحرمهم من طفولتهم، ولا أن نغرقهم في المآسي والآفات، ولكن أن نمنحهم القدرة على تقدير ما هم فيه من نعم ليست للآخرين، وأن يكون لديهم قدر من التعاطف والتراحم مع العالم من حولهم، إشارات بسيطة تكفي لكي يكون لدى الطفل إحساس بأن هناك من هم حزينون محرومون في هذا العالم، وأن عليه أن يحس بالرضى والقناعة عندما يفقد شيئاً يريده، دون أن ينكسر ويفقد كرامته وطموحه. ابنتي كثيراً ما تفسد طعامها أو تلعب به مثلاً، يؤسفني ذلك كأم، فهي مازالت لا تعي قيمة الطعام في عالم اليوم، أكرر كثيراً على مسامعها بلغة تفهمها أن هناك أطفالاً ليس لديهم طعام، وأنها يجب أن تحافظ على طعامها، ولا أطواعها في رفضها للأغذية، فإن رفضت أكل شيء ما أتركه أمامها ولا أستبدله وفي النهاية وحدها ستذهب إلى المطبخ وتأكل منه، ببساطة لأنها جاعت والجائع يأكل المتاح. ولكن عندما نوصل أبناءنا إلى حالة من البطر،  فإن لا شيء سيعجبه مهما بلغنا فيه من جهد وووضعنا فيه من طاقة.

لا نريد أن نربي أطفالاً يغمرهم إحساس بالخضوع والاستكانة بسبب يأسهم من العالم وتكرر خيبات الأمل نتيجة لكل ما يرونه من حولهم، ولكننا لا نريد أن نربي مسوخاً تأكل وتسرب وتنام وليس في قلبها مكان لحب أو عطف، أو في وقتها مساحة لعون أو مساعدة. لا تعلم ابنك الحزن، ولكن لا تعلمه الفرح لأسباب مادية بحتة لأن لسعادة المادية لا تدوم، بل ليست حقيقية إلى حد كبير. لا تعلمه النقمة على العالم، ولكن علمه أن يشفق على المتضررين، لا تعلمه القنوط ولكن علمه أن يعيش حياته بأفضل ما يكون لأن حياته جزء من حياة الآخرين...

لست من الذين يؤمنون بالحياة في فقاعة، ربما نحتاجها في مراحل من حياتنا نجد فيها بعض السكينة المطلوبة، ولكنها بالتأكيد ليس أسلوب حياة يؤهلنا لأن نكون بشراً على قدر من الإنسانية تعفينا من حاة البهائم. كثيرة هي الأسباب التي تغرينا لكي نتجاهل كل شيء ونعيش  فقط لأجل المتعة والراحة وقضاء وقت لطيف، ولكن كأي شيء ذو قيمة في الحياة، فإن الحفاظ على نفسنا من الخمول والركود والتجمد يستلزم جهداً ومقاومة.

هناك تعليقان (2):