بقلم: أحلام مصطفى
أعتقد أننا نعرف جيداً كيف أن المجتمع الذي نعيش فيه يجعلنا نتعامل مع الزواج كخطوة نهائية نصل عندما ننجزها إلى غاية أهدافنا الدنيوية ومنتهى آمالنا، ثم تبدو الحياة فيما بعد كسلسلة من الأحداث المتوقعة، من إنجاب للأطفال وتربيتهم والتمتع بصحبتهم أو نكدهم إلى آخر العمر.. أغلبنا لا يتعب نفسه كثيراً بوضع خطط لمرحلة ما بعد الزواج هذه ولا يجد من ضرورة لأي نوع من الأحلام أو الطموحات، أو ربما لأننا عندها نتصور أنه لا مكان لها مع المسؤوليات ووجود أشخاص يعتمدون علينا للاهتمام بهم ورعاية مصالحهم.
ولكن في الحقيقة ما أراه هو أننا نختار طبيعة الحياة التي نريدها ولا تفرض علينا، فهناك من يختار أن يتجاوز كل هذا ويخطط لحياة تملؤها الأحداث والتجارب له ولعائلته بدلاً من حياة "الاستقرار" أو لنقل الروتين التي تعيد نفسها يومياً وشهرياً وسنوياً حتى آخر العمر.
أعتقد أننا نقفد معظم لحظات حياتنا في هذه الأحداث المكررة حتى لا نعود نحس بالوقت يمضي ولا نتذوقه، ثم إذا شاء الله أن يختبرها في صعوبة ما لا نجد أمامنا ما نتذكره سوى هذه الصعوبات التي مرت علينا.. ببساطة لأننا لا ننظر إلى الحياة كمجموعة من التجارب على خلاف نتائجها ولكن على أنها يجب أن تتمتع بنوع من "الركود" الذي يوحي لنا براحة سببها أننا لا نتعامل مع ما هو جديد لا أننا راضون بما نفعله.
أعتقد أننا لا نحصل على الأوقات الجيدة بل نصنعها، بإحدى طريقتين: إما بالطريقة التي ننظر بها إلى المواقف التي تمر بنا، أو بأننتخذ قرارات تخوض فيها تلك الأوقات التي نريدها. ما الضرر في أن يكون هناك أهداف خاصة بالعائلة تتجاوز البيت والعمل والمدرسة والجامعة؟ أهدافاً ليس بالضرورة أن تكون نبيلة وذات قيمة كما تصنف ولكن أن تكون خارج الإطار الذي صمم حتى يحتوى كل تحركاتنا وأنشطتنا.
قد تكون التجربة تعلم لغة جديدة، أو زيارة منطقة بعيدة، أو العمل مع مؤسسة خيرية في مكان ما، أو حتى تغيير محل الإقامة طوعاً لا إجباراً! أي نشاط يعبر عن حرية الإرادة والوجود ويبتعد عن النمطية والتقليدية بصورة أو بأخرى. إن التحرر من القيود التي تفرضها العادات والظروف يمنحنا شيئاً من راحة البال على عكس ما يعتقد غالبة الناس، فحرية الاختيار هي فطرة إنسانية ما أن يتم احتجازها حتى تسبب لفاقدها تعاسة وكآبة شديدتي التأثير!
لنضع الأمر في صورة قابلة للتطبيق، نحن لا نتحدث عن اتخاذ قرارات جذرية أو إنفاق مدخرات العائلة كلها على رحلة سياحية أو حتى جهاز تلفاز . كل ما نحاوله هو أن نجعل من تجربة العائلة سبباً لكي نكون المزيد والمزيد من القواسم المشتركة والأوقات التي نتذكرها معاً، التي تشكلنا معاً، حتى لا نقع في فخ الآباء والأمهات الذين يعيشون في عالم مختلف عن عوالم أبنائهم الذين يقضون ساعات وساعات مع أصدقائهم أو في غرفهم. لا تحدث العلاقات الأسرية الجيدة صدفة.. بل تصنع، كيف سيحس أبناؤك أن لديهم ما يشاركونه معكم إن لم يكن هناك ما تشاركونه معهم ابتداءً! البعض يضعون قواعد أسرية تقضي بتناول الطعام معاً أو بيوم جمعة عند الأقارب وغيرها من الأحداث التي إن لم تطبق بصورة أداء واجب واستثمرت جيداً تتحول إلى عبء بدلاً من تجربة عائلية محببة.
ليس الأمر سهلاً، كل عائلة لها خصوصيتها ووضعها الخاص ولكن المجهود الذي نبذله الآن التفكير والتخطيط ومحاولة إيجاد الفرص لمثل هذه الحياة العائلية المتجددة سنجده مستقبلاً أحد أهم أسباب سعادة أسرتنا وقوتها. لذلك لا تستهينوا بأي مجهود تضعونه في ترتيب أو تجهيز أو ابتكار في هذه الناحية، فكله يأتي بمكاسبه.
شكرا لعملك
ردحذفالعاب تلبيس بنات