الصفحات

السبت، 21 مارس 2015

عن القليل الذي يكفي.. والكثير الذي يلهي



مررت مؤخرًا بتجربة سفر وانتقال حررتني كثيراً من غالبية الماديات التي كانت مسيطرة على جزء كبير من اهتمامي ، ولا أعني أننا كنا نهتم بها أو نبحث عنها، على العكس.. ولكن وجودها في حد ذاته كان مصدراً للإلهاء. الكثير من الملابس، الكثير من الأواني، الكثير من المعدات، من الأحذية.. ربما حتى بيت يتسع لأكثر من حاجتنا.

على سبيل المثال بدلاً من أن أغسل الثياب كل يوم الآن نغسلها مرة في الأسبوع، وبدلاً من أن أعمل على تنظيف البيت بمعدل ساعتين في اليوم، الآن أمضي ساعتين مرة أسبوعياً، ببساطة لأنك تعتاد أن تستخدم ما هو موجود بدلاً من إهداره، فكلما كان المتاح أكبر كلما تبحبحت أنت في استخدامه وكررت عبارة "عن ماحد حوّش"!

الكثير الذي يلهيك هو ذلك الذي يجعلك تمضي وقتاً في الاهتمام به أكبر بكثير من الوقت الذي تقضيه في استخدامه، لأن عندك الكثير من الثياب فأنت تستخدمها بمعدلات كبيرة ليس لأنها تتسخ أو لأنها بحاجة لتغيير، فقط لمجرد أنك تجد أمامك البديل، أنت تستخدم الكثير من الأواني في المطبخ لانها موجودة، بدلاً من أن تغسل ما اتسخ وتعيد استخدامه... وهكذا.

أعتقد أن جزءاً من الموضوع يتعلق بتصور اجتماعي معين، وتقسيم الطبقات المجتمعية المقيت الذي نعيش فيه، سواءً فيما يتعلق بما نستخدم أو ما نشتري، "يعني لو حد شافك بتلبس نفس الحذاء كل يوم ممكن يقولك: يا أخي ما تشتريلك واحد تاني وترحم الغلبان ده، وإنت عندك القدرة إنك تشتري غيره بس ببساطة مش محتاجه لأنه "كفاية"."

وقِس على ذلك في كل الأمور، هل ما لديك يكفيك أم لا، هذ هو السؤال المهم، ليست القاعدة أن ما يكفي لشخص يجب أن يكفي كل الناس، ولكن الفكرة فيما يحتاجه حتى يعيش حياته بلا خلل، بعض الناس قد تتطلب أعمالهم مثلاً فوق ما يكفي أشخاص آخرين لتأدية أعمالهم، وهكذا. فالقياس بين الأشخاص باطل، ولكنه المبدأ، ما اللي لو لم تحصل عليه فإنك لن تفتقده، وتستطيع أن تعيش الحياة بدونه.

في هذه الأيام تكثر إعلانات حول خدمات أو منتجات بادعاء أنها تجعل الحياة أسهل، أداة خاصة لتقطيع البيض، وأخرة تقطيع البطيخ، ونوع صابون خاص للفرن وآخر للمغسلة وآخر للأرضيات وإلى آخره.. وكان يكفيك في كل ذلك سكين وعلبة صابون متعدد الاستخدامات، ولكننا ربما نجد إحساساً بالرضا عندما نحس أننا "نبسط" حياتنا بالتعقيد.

في النهاية، لكل منا الحرية لاحتيار طريقة الحياة التي نريد، ولكن بما أننا مسؤولون عنها فربما نود لو نفكر كيف نجعل هذه الحياة أفضل، لا من خلال الحصول على المزيد من الأشياء ولكن من خلال الحصول على المزيد من الوقت والقدرة على فعل الجديد من الأشياء، عندما توفر وقتك ومواردك فإن ذلك يمنحك فرصة لكي تتمكن من فعل أشياء كثيرة كنت تؤجلها لأنك تعتقد بأنها بحاجة لوقت لا تملكه وأموال وموارد لا تحصل عليها، في حين أنك كنت تضيع كل ذلك على أمور ليست سوى هوامش وكماليات كنت تستطيع التخلي عنها بسهولة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق