بقلم : أحلام مصطفى
الوقاحة في اللغة هي: قلة الحياء والاجتراء على اقتراف القبائح، قد تومئ برأسك الآن موافقاً ومقراً لهذا الوصف، فلعلك تعرف بعض الناس ممن يتصفون بهذا أنت أيضا..ً.
أذكر أنه كان عندنا شجرة مثمرة في فناء المنزل، وكان لنا جيران (الله يستر عليهم) يأتي أطفالهم إلينا طلباً لثمارها، قد تقول وماذا في ذلك؟!، وأنا أيضاً لن أرى في ذلك بأساً إن توقف الأمر عند هذاالحد، كنت أشفق على إحدى أخواتي لأنها هي دائما التي تتورط في أن تفتح لهم الباب وتقف هناك تنتظرهم حتى ينتهوا من جمع "غنائمهم"، ولك أن تتخيل حالها وهي تتلقى الأوامر من طفل يصغرها بخمس أو ست سنوات، لن أحكي لك كل علامات الوقاحة بالتفصيل ولكن في إحدى المرات وبعد أن انتهوا وقفت واحدة منهم وتطلعت إلى أختي، ثم قالت لها: في الغد عندما نعود افتحي الباب، وإن لم تفتحي فسوف أضع يدي على الجرس هكذا –وأشارت بيدها إلى الجرس – ولن أرفعها حتى تفتحي، لا شكراً ولا جزاك الله خيراً ولا"كتر خيركم" ، يومها أذكر وجه أختي وهي تدخل علينا، احمرت واخضرت واصفرت، وحلفت الأيمان أنها لن تفتح لهم غداً.
لست من مؤيدي فكرة "أطفال وما بيفهموش"، فالأدب لا يحتاج إلى فهم، بل إلى تربية، ولست ألوم الأطفال على ما هم فيه، فكلنا نعرف من المسؤول وليس هذا موضع حديثنا، فكما أعتقد أنك لاحظت .. حديثي اليوم هو عن الوقاحة وبالأخص عن أهلها.
عندما تكون مواطناً صالحاً تحترم نفسك وتوقف سيارتك في المكان المخصص لذلك بعد عناءٍ طويل وجهد جهيد لإيجاد مكان لها، ثم تعود لتجد أحدهم قد أوقف سيارته خلف سيارتك وسد في وجهك الطريق، أو أوقفها ملاصقة لها - في مكان غير قانوني - فتجبر أنت على أن تأخذ نفساً عميقاً ثم تحشر نفسك - متمنياً لو أنك كنت أنحف ببضع سنتيمترات - لتركب سيارتك وتكمل يومك الذي لاحظت الآن أنه تعيسٌ منذ بدايته، فقد "علقت" مع شخصٍ وقح.
يثير فضولي حقاً كيف يفكر هؤلاء الأشخاص، ما أعنيه هو كيف يمتلكون القدرة على تجاهل كل ما اتفقت عليه البشرية من قواعد الذوق والأدب واحترام حقوق الآخرين إلخ إلخ إلخ، لو كان هؤلاء في مدينة أفلاطون الفاضلة لتم نفيهم منذ زمن ليس بقريب.
مشكلتي - ومشكلتنا جميعاً - تكمن في عدم تقديرنا لتأثير أفعالنا على الآخرين، فهذا الإنسان الذي قد يقوم ببعض الأفعال التي تفتقر إلى "الذوق" قد لا يكون السبب وراء قيامه بها هو وقاحته، بل لأنه لا يقدر مساحات الآخرين من حوله وحرياتهم، ولا يعرف أين تنتهي حدود حريته هو وتبدأ حدود حرية الآخر، فيبدو وكأنه يعيش في عالمه الخاص، وأعتقد أنه قد مر عليك بعض من تلك الشخصيات التي اعتدت منها القيام ببعض الأفعال، أو التلفظ ببعض الكلمات "الغير لائقة" اجتماعياً، ولكنك تتغاضى عنها ويتغاضى عنها الآخرون لأنهم ببساطة يشيرون إليه على أنه ( مهوي) (مفلس) (أهبل يعني) أي أنه لا يمتلك الفطنة ليحكم على الأمور بالصحة أو الخطأ، ولكن الحقيقة هي أنه جاهل اجتماعياً فهو لم يتلق التربية اللازمة التي تمكنه من معرفة الصواب أو (اللائق) من الخطأ أو (غير اللائق).
وبالطبع فهناك " الوقحون " مع سبق الإصرار والترصد، وهؤلاء يدركون ما يفعلون، ولكن لمشاكل نفسية تتعدد يتعمدون أن يضايقوا الذين من حولهم، بل ويستمتعون بذلك، وأنا أكاد أجزم أن هذه التصرفات ليست إلا محاولة لملأ نوعٍ من الفراغ الداخلي، أو اكتساب بعض من الاهتمام، فلا إنسان عاقل محترم قد يأتي بهذا النوع من السلوكيات غير المقبولة.
عموماً طبع الوقاحة وعدم مراعاة الآخرين هي أمر ليس غريباً على مجتمعاتنا للأسف، بالرغم من أننا أبناء عقيدة تتنافى تماماً مع هذا الطبع وغيره، فخلق الإسلام "الحياء"، وإن كنا لم نستح من البشر فلنستح من رب البشر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق